السبت، يونيو 11، 2011

كلمة الملك التي كان ينبغي أن تُلقى ... من كتاب سجون العقل العربى للمفكر الكبير د / طارق حجى


أوجع قلبي وعقلي وضميري أن أرى ملكَ السعوديةِ يقدم لبابا الڤاتيكان سيفًا . فما كان أشد حاجتنا لأن نبعد أنفسَنا عن السيوفِ ونبعد اسمَ الإسلامِ والمسلمين ورموزهما عن السيفِ كشكلٍ وكفكرةٍ وكدلالةٍ. لذلك فما أن أوجعت صورةُ ملكِ السعودية قلبي وعقلي وضميري وهو يهدي السيفَ لبابا الڤاتيكان حتى أمسكت بقلمٍ وكتبت الكلمةَ التي لم يُلقها ملكُ السعودية وكان الجدير به أن يفعل لو كان مستشاروه يعرفون العقل الغربي و ثقافة الغرب .
كلمة الملك التي كان ينبغي أن تُلقى :
قداسة البابا ... حضرات الكاردينالات ... باسم السعوديةِ التي أَشرفُ بتمثيلِها وباسمِ الإسلامِ والمسلمين الذين أشرف بالانتماء لهم، أُلقي عليكم تحيةَ السلامِ ... علمًا بأن حروفَ كلمتي "السلام" و"الإسلام" متطابقتان في اللغةِ العربيةِ .
باسمي وباسم من أُمثلُ أدعوكم لكي نبدأ عصرًا جديدًا يقوم على الاحترامِ المتبادلِ وعدمِ قيامِ أي منا بجرحِ مشاعرِ الطرفِ الآخر، ناهيك عن الاعتداءِ المادي والمعنوي عليه بشكلٍ مباشرٍ أو غيرِ مباشرٍ . إنني أدعوكم وأدعو الجانبَ الذي أُمثله أن نتعاهد على أن أصحابَ كل دينٍ وإن كان من حقِهم دعوة الآخرين لدينِهم فإن ذلك ينبغي ألا يتم بالعنفِ أو القسرِ أو الإجبارِ أو الاعناتِ أو السيفِ وإنما بالمنطقِ والحجةِ وتبيانِ مزايا الدين الذي ننتمي له .
إنني من الآن أُعلن أن "الجهادَ" لا يعني إلا الدفاع عن النفس ومواجهة العدوان، ولكنه لا يعني أبدًا الذهاب للآخرين بالقسوةِ والعنفِ والسيفِ لإدخالهم عنوةً في ديننا . فما أبأسَ أي دينٍ لا يستطيع الاستحواذ على عقولِ وقلوبِ وإعجابِ الناسِ إلا بالعنفِ والقسرِ وعملِ السيوفِ . كذلك فإنني أدعو كلَ الأطرافِ للإهتمامِ بنوعيةِ أتباعِ كل دينٍ أكثر من الاهتمامِ بأعدادِهم ... وإن لدينا في مسألةِ تحسينِ توعيةِ المؤمنين بديننا العظيم الكثير لنقوم به .
إنني أدعوكم والجانب الذي أمثله لئلا يسخر أيٌّ منا من الآخر أو يسفه مُعتقداته أو يَزعم أن كُتبَه المقدسة مُحرفةٌ . إنني أدعوكم والجانب الذي أمثله لعهدٍ جديدٍ من حريةِ الاعتقادِ وحريةِ العبادةِ وحريةِ إنشاءِ دور العبادة في أي مكانٍ وفي أي زمانٍ . وإذا كان نبيُّ الإسلامِ قد رحب بأن يصلي مَسيحيو نجران بمسجدهِ الذي هو اليوم المسجد النبوي بالمدينةِ المنورةِ ,
فإنني أُعلن أمامكم أننا سنبدأ عهدًا جديدًا في التعامل مع غيرِ المسلمين بصفتهم إخواننا في الإنسانيةِ، وسأدعو كل المسلمين في العالمِ لأن يعرفوا أن مصطلحاتٍ مثل دار الحرب ودار السلام وأهل الذمة كانت متصلةً بظروفِ تاريخيةٍ في أزمنةٍ قديمةٍ وأننا نهدف اليوم لعالمٍ لا ينقسم إلى دار حربٍ ودار سلامٍ وأن مساجدَنا مفتوحةٌ للترحيبِ بالجميع وأن ديننا متينٌ لا يحبس أحدًا في دائرةِ الاعتقاد به قسرًا وعنوةً .
إنني يا صاحب القداسة اخترت لك هديتين رمزيتين أحدهما نخلة ذهبية رمز تاريخنا وبيئتنا ومخطوط قديم للانجيل يعود لقرون طويلة بعيدة خلت . وقد رفضت اقتراحًا بأن أهديكم سيفًا؛ فلا السيف من رموزِكم التاريخيةِ ولا هو مما نحب أن يكون مسلطًا فوق علاقتنا المستقبلية .
إن بلادي ستعمل جاهدةً في المستقبلِ على أن تكون إقامةُ غير المسلمين بها متسمةً بكل معاني كرم الضيافة ورحابة الصدر والتسامح بما في ذلك حقهم في الصلاةِ وعبادةِ الله في كنائسٍ أو معابدٍ حسب دينهم وطائفتهم . إن ارتفاعَ مناراتِ الكنائسِ أو قباب المعابد فوق أرض بلادي لن يجرح شعورنا كما أن ارتفاع مآذن المساجد في أوروبا وأمريكا وكندا وأستراليا لم يجرح مشاعر غير المسلمين بتلك البلاد .
كذلك أعدكم بأن ندرس في وقتٍ قصيرٍ عدم تطبيق قوانينا المستمدة من ديننا على أُناس لا يؤمنون بهذا الدين . لنبدأ معًا عهدًا جديدًا من قبول الآخر والتسامح ونسبية الاعتقاد؛ أي ألا يتصرف أيُّ إنسانٍ على وجهِ الأرضِ على أساسِ أن دينَه هو الصوابُ المطلق وأن أديانَ الآخرين هى الخطأ المطلق، ولنترك لله الحكم على أمورٍ ليس بوسعنا (وليس من مهامنا) الانشغال بها .
إنني أدعوكم وكل الذين أمثلهم لعهدٍ جديدٍ من التسامح وقبول الآخر والاحترام المتبادل وعدم افتراض خطأ الآخر وترك ما لله لله . كما إنني أغتنم فرصة هذا اللقاء للدعوةِ لتكوينِ لجنةٍ من أفاضلِ علماء الأديان السماوية والعقائد الأخرى لمراجعةِ كافةِ برامج ومقررات ومناهج التعليم في شتى بقاع العالم لتحقيق الأهداف التالية :
• تنقية هذه البرامج التعليمية من أية مادةٍ تسيء لعقائد الآخرين .
• تنقية هذه البرامج التعليمية من أية مادةٍ تبذر بذور الشوفينية الدينية والشعور بالتعالي على الآخرين .
• تنقية هذه البرامج التعليمية من أية مادةٍ تقزم التسامح وقبول الآخر وتستأصل الاعجاب بالتعددية والاختلاف كأهم معالم الحياة الإنسانية وأسباب ثرائها وجمالها .
واسمح لي يا قداسة البابا – الآن – أن أهديك النخلة الذهبية ومخطوط كتاب العهد الجديد التي تعود لزمن انتشار المسيحية في منطقة نجران، وهى اليوم واحدة من محافظات أو ولايات المملكة العربية السعودية .
*** *** ***
انتهى خطابُ الملكِ الذي لم يلقه وكان من الجدير به (في إعتقادي) أن يلقيه .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق