الخميس، ديسمبر 30، 2010

سجون العقل العربى ... المفكر الكبير د / طارق حجى ( الجزء الثانى )



الفصل الأول
انبعاث المارد

١

أما الاستبدادُ السياسي فإنه ينتجُ آثارًا سلبيةً عديدةً أكثرها خطرًا هو "قتل الحراك الاجتماعي" بمعنى توقف حركةِ صعودِ أفضلِ أبناءِ وبناتِ المجتمعِ للمقاعدِ القياديةِ في شتى المجالاتِ ووجودِ سلطاتٍ استاتيكية وصل إليها من وصل عن طريقِ قبولِ (بل ودعمِ) الاستبداد وإبداء الولاء. وإذا كان الاستبدادُ يؤدي لقتلِ الحراكِ الاجتماعي، فإن هذا الأخير (قتل الحراك الاجتماعي) يؤدي لشيوعِ عدمِ الكفاءةِ في كلِ المجالاتِ. فالاستبدادُ يأتي بالأتباعِ (The Followers) ولا يأتي بالأكفاء (Competent The) – وهكذا، فكما أن الاستبدادَ يقتل الحراكَ الاجتماعي فإن انتفاءَ الحراكِ الاجتماعي يشيع عدمَ الكفاءةِ في كلِ القطاعاتِ والمجالاتِ. وشيوع عدم الكفاءة يثمرُ (لا محالة) مُناخًا عامًّا عامرًا باليأسِ – ومن مُناخِ اليأس تنبثق ذهنيةُ العنفِ ناهيك عن انخفاضِ معنى الحياةِ الإنسانيةِ كقيمةٍ – سواء أكانت حياة الشخص نفسه أم حياة الآخرين. وقد قادني الانشغال بشئونِ المجتمعاتِ العربيةِ والإسلاميةِ لأن أرى بوضوحٍ المعادلةَ التي أُسميها "معادلة التدمير": الحكم الأوتوقراطي يؤدي لوقف الحراك الاجتماعي .. وقف الحراك الاجتماعي يقضي على الكفاءةِ في سائرِ مجالاتِ المجتمعِ .. القضاء على الكفاءةِ في سائرِ مجالاتِ المجتمعِ يولد طاقةً شريرةً عملاقةً هي "اليأس" .. طاقةُ اليأسِ تفرز ذهنيةَ العنفِ واسترخاص الحياة الإنسانية وتولد رغبات هائلة في الانتقام.

١.1
خضعت مجتمعاتٌ إسلاميةٌ خلال العقودِ الأخيرةِ لأشكالٍ مختلفةٍ من "الطغاةِ" الذين حكموا بلدانهم بيدٍ من حديدٍ، وفي ظلِ أتوقراطيةٍ واسعةٍ أدت في كثيرٍ من الأحوال إلى "مسلسل التداعي" الذي وصفته من قبل وهو: استبداد يلغي الحراك الاجتماعي .. انعدام الحراك الاجتماعي يشيع عدم الكفاءة في كل المجالات .. ظاهرة عدم الكفاءة عامة تؤدي لانهيار في كلِ المستوياتِ يولد شعورًا باليأس والغضب ومنهما تنبت "ذهنيةُ العنفِ" لاسيما وأن غير الأكفاء (The non-competent) يجعلون منظومةَ التعليم عاملَ تدهور إضافي لكافة المستويات. وفي تلك المجتمعات كلها ما إن تحدث متغيرات تجعل الطاغية يسقط (سوهارتو في إندونيسيا .. صدام حسين في العراق) حتى يبرز على سطحِ الحياةِ العامةِ فجأة رموزُ الفهمِ الوهابي للإسلام وهم يطرحون أنفسهم بمثابة "المُخَلِّصِ"! وينخدع البعض ويقولون: إن هؤلاء هم القوة السياسية الوحيدة التي تفرزها هذه المجتمعات. والخطأ هنا مركب: فالذي أفرز هؤلاء هم "الطغاة" و"طرائق حكمهم الأتوقراطية" التي قتلت الحراك الاجتماعي ومنعت نمو المجتمع المدني وعممت "عدم الكفاءة" وجعلت دنيا السياسة مكونةً من أفقين: أفق فوق الأرض (وعليه الطغاة وأركان نظمهم فقط) وأفق تحت الأرض (وفيه رموز الفهم الوهابي والذين أصبحوا متدربين أفضل تدريب على النمو تحت الأرض في ظل السرية والمطاردة) .. وما إن ينزاح الطغاة حتى تبرز القوى السياسية الوحيدة التي كانت قائمة (تحت الأرض) وفي ظل انعدام المجتمع المدني واختفاء الحراك الاجتماعي وشيوع عدم الكفاءة، فإن المسرح يكون معدًّا لفريق جديد من الطغاة سيكونون طغاةً وغيرَ أكفاءٍ في آنٍ واحدٍ .. وسيأخذون مجتمعاتهم لدرجاتٍ أشد انحدارًا من التأخرِ والتخلفِ والبعدِ عن معادلةِ التقدم والحداثة والاستغراق في مشكلاتٍ اجتماعيةٍ لا حصر لها.
وباختصارٍ: فإن طغاةَ ما فوق الأرض وطغاة تنظيمات تحت الأرض على السواء من ثمار المعادلة التي أعود لها هنا المرة تلو المرة: نظام سياسي أتوقراطي (استبدادي) يشل الحراك الاجتماعي، فيسود غير الأكفاء في كل المجالات، فتنخفض كل المستويات، فيشيع اليأسُ وتنبثق وتستفحل ذهنيةُ العنفِ ولا يكون بوسع مؤسستي "التعليم" و"الاعلام" إصلاح تلك التراجيديا، لأن هاتين المؤسستين قد فسدتا أيضًا على يدِ غير الأكفاء .
وإذا قال قائلٌ: لماذا لا ينتشر إلاَّ هذا النموذج كلما سقط طاغية في مجتمع إسلامي أو عربي؟ ... كان الجدير بنا أن نقول له "إن الذي انتشر هو اليأس الذي هو الثمرة الطبيعية لنظمِ حكمٍ أتوقراطيةٍ لم تبق أحدًا فوق الأرض – ولم يعش في ظلها إلاَّ ذلك المارد "تحت الأرض" .. والعلاج الوحيد يبدأ من بداية السلسلة لا من نهايتها.

۱.2
خلال السنواتِ ما بين 1967 و 1973 (وهي سنو دراستي لدرجتي الليسانس في الحقوقِ والماجستير في القانون العام والمقارن) تعرفتُ معرفةً مبدئيةً إلى "علمِ أُصولِ الفقه". وفي سنواتٍ لاحقةٍ (كنت أقوم خلالها بالتدريس بجامعاتٍ بالخارجِ) عكفتُ على دراسةٍ واسعةٍ لعلمِ أُصولِ الفقه – وخرجتُ عن دائرةِ المذاهبِ السنيِةِ الأربعةِ لشتى مذاهبِ الفقه الشيعي (وأهمها فقه الإمامية) ولسائرِ مذاهبِ فقه الخوارج بفرقهم الأربع الرئيسة (وأهمها فقه الإباضية الذائع في منطقةٍ صغيرةٍ بالجزائر وفي معظمِ سلطنةِ عُمان) ومدارسَ أُخرى في الفقه اندثرت (مثل فقه الطبري صاحب التفسير المشهور باسمه، وفقه الليث). وقد أخذني التوغلُ في دراسِة أُصولِ الفقه لعوالمَ أُخرى لصيقة الصلة بهذا المجال لعل أهمها "علم الكلام" (أو الفلسفة الإسلامية) – إذْ أَوغلتُ في مطالعةٍ متأنيةٍ لما أبقاه الزمنُ من آثارِ المعتزلةِ والأشاعرةِ …كما كان لصديقٍ مقربٍ (هو الدكتور محمود إسماعيل) أثر كبير في تعرُّفِي إلى عوالمَ ما يُسمى بالفرقِ الباطنيةِ في التاريخ الإسلامي (وهذا الصديق من أكثر من قرأت له تعمقًا في فكرِ الخوارجِ والقرامطِة وعددٍ كبيرٍ من الفرقِ السريِةِ "حسب تسميته" في تاريخ المسلمين).
فابن رشد

يتعامل مع النصوص بطرائق جد مختلفة عن طرائق تعامل ابن تيمية والمودودي وسيد قطب معها؛ فمجرد التعويل على نص دون آخر أداة هدم يمكن أن يستعملها الآخرون، فالدارس الموضوعي للتوراة والتلمود (ولاسيما التلمود البابلي "الجمارة")، لا يسمح لنفسه بأن يقف عند كلمات قالها يشوع بن نون في موقف معين ذي إطار تاريخي وزمني ومكاني محدد. ولا يستطيع أن يتخذ من "الصداق" (المهر) الذي طلبه الملك شاؤول من داود بن يسي البيتلحمي (الملك داود عند اليهود والنبي داود عند المسلمين) ليزوجه من ابنته ميكال دليلاً على شيء في غير إطاره التاريخي، بمعنى إنني لا أستطيع أن أقتطفَ نصًا أو نصوصًا كهذه وأعدو بعيدًا مشهرًّا بها على الآخرين بمعزل عن الإطار التاريخي والإنساني والمرحلي للنص.

وباختصار، فإنه من المؤكد أنه ليس هناك فهم واحد للإسلام، وإنما عشرات الأشكال والأنواع. فهناك من يرفض معظم الأحاديث النبوية ولا يقبل منها إلاَّ عشرات (مثل أبي حنيفة النعمان) وهناك من يقبل في كتابه "المسند" عشرات الآلاف (أحمد بن حنبل).

وهناك من يعتمد مصادرَ للفقه غير مصادر غيره (الاستحسان عند الحنفية والمصالح المرسلة عند المالكية .. إلخ).

وهناك من يتجاوز الآفاق الضيقة للتفسير ويفتح بوابات العقل على ما يسميه "التأويل" (ابن رشد).

وهناك من يسمي عقوبة شرب الخمر (حد الشرب) مثل معظم الفقهاء. بينما هناك من يسميه (حد السكر) مثل أَبي حنيفة القائل عن الخمر (لو أَلقوني في النار ما شربتها .. ولو أَلقوني في النار ما قلت إنها حرام).

۱.2.1
منذ قرنِه الأول عرف الإسلامُ مجموعاتٍ متطرفة بمحاذاةِ تيارٍ عامٍ متوسط وبعيد عن العنفِ والتطرفِ وأُحاديةِ النظرة واحتكار الحقيقة. فمنذ سنة 660 ميلادية (منتصف القرن الهجري الأول) برزت فرقةُ الخوارج والتي اتسمت بالغلو الشديد في التمسكِ بفهمها للإسلامِ وتكفيرِ من يحيد عن فهمهم هذا. وفي القرونِ التاليةِ ظل الإسلامُ يعرف تيارًا عامًّا وسطيًّا (معتدلاً) وتيارات جانبية بالغة التطرف والعنف. وقد أعطى الدكتور محمود إسماعيل عبد الرزاق حياته العلمية وجهده العقلي الفذ لدراسةِ هذه المجموعات المتشددة والتي أطلق عليها تسمية "الحركات السرية في الإسلام" وكتب عن فرقها بحوثًا بالغة العمق وخص مجموعةً منها بدراسةٍ معمقة وهم القرامطة الذين قاموا بخطف الحجر الأسود وأخذوه لموقعٍ بعيدٍ في شرق الجزيرة العربية لأكثر من قرنٍ من الزمان.
وإلى جانب كل تلك التوجهات والمذاهب والفرق -، هناك متشددون من اليوم الأول وحتى هذه اللحظة: من حمدان بن قرمط الذي خطف الحجر الأسود من الكعبة إلى سكّان كهوف وزيرستان ومرورًا بسيد قطب

الذي قدم للمسلمين نظرية ستبقى سورًا يفصلهم عن الإنسانية والتقدم حتى يهدم هذا السور، وأعني "نظرية الحاكمية" والتي فحواها أن البشر لا يحكمون البشر وإنما يحكمهم الله (ويبقى السؤال التراجيدي: ومن سيقول لنا على أحكام الله؟ .. والجواب: "نحن العلماء"!! وهكذا، نكون سجناء لثيوقراطية تجاوزتها مسيرة التقدم الإنساني ونكون أصحاب أكبر طبقة رجال دين بعد أن كررنا مرارًا (أنه ليس في الإسلام طبقة رجال دين) ناهيك عن مأساة (وملهاة) تسمية رجال الدين بالعلماء! (أحد هؤلاء العلماء قال ذات يوم غير بعيد (في صيف 2005) ردًّا عن سؤال: "من هو Bill Gates – قال: "لا أعرف .. وليس من المهم أن أعرف" (وهي إجابة تلخص العزلة والانفصال عن الإنسانية ومسيرة التمدن).

وإلى جانب التيارات التي كانت تُغالي في التطرفِ والحرفية وإيجاد قواعدَ تفصيليةٍ لكل أُمورِ الحياة، كان هناك التيار العام والذي يمكن تلخيصه في المذاهب السنية الرئيسة (وأهمها مذهب أبي حنيفة ومذهب مالك ومذهب الشافعي ومذهب أحمد بن حنبل ومذاهب أخرى اندثرت مثل مذهب الليث ومذهب الطبري) وكذلك المذاهب الشيعية العديدة (وأشهرها الإمامية). وداخل التيار العام كان هناك من يفسح مجالاً للعقل (الرأي) مثل أبي حنيفة الذي لم يقبل من الأحاديث النبوية إلاَّ أقل من الأحاديث الواردة بصفحة واحدة من صحيح البخاري - وهو ما يفسح المجال للرأي. وفي المقابل كان هناك مذهب أحمد بن حنبل الذي يضم كتابه (المسند) أكثر من عشرة آلاف حديث؛ وهو ما لم يترك شيئًا بدون تنظيم وهو ما يجعل النقل هو السائد والعقل هو الغائب. ولتيار أَحمد بن حنبل ينتمي فقيهان آخران هما ابن تيمية وابن قيم الجوزية وهما مثل أَحمد بن حنبل لا يتركون مساحة تذكر للعقل والرأي وإنما لديهم أحاديث تنظم شتى جوانب الدين والدنيا بكلِ تفاصيلِها. ويضاف لذلك أن العقلَ الإسلامي واجه ما يشبه المعركة بين أبي حامد الغزالي والذي لا يؤمن بأن العقلَ قادرٌ على إدراك الحقائق وبين ابن رشد أكثر مفكري العرب إعلاءً لشأن العقل؛ وهو ما يتضح من التناقض الواضح بين آراء الغزالي في كتابه (تهافت الفلاسفة) وآراء ابن رشد في كتابه الفذ (تهافت التهافت). والخلاصة أنه في عالم الفقه (وهو عمل بشري محض) فقد كان التوسع للمدراس التي تحبذ قبول آلاف الأحاديث عن إِعمال الرأي؛ وبمحاذاة ذلك ففي عالم الفكر ( علم الكلام بلغةِ العرب في ذلك الزمان والفلسفة بلغةِ العصر) فقد كانت أيضًا الغلبة لمدارس النقل والحدس (الغزالي) وقلة أثر مدرسة العقل (ابن رشد) (وإن كان الأوروبيون هم الذين استفادوا من أطروحات ابن رشد).
وخلال رحلةٍ استغرقت نحو عشرين سنة تكوّن لدي نفورٌ قويٌ من الذين أُسميهم "عبدة الحرف" و "أسرى النقل"؛ كما تكون لدي ولعٌ شديدٌ بأصحابِ العقلِ وفي مقدمتهم "ابن رشد" الذي استفادت منه أوروبا وخسرناه نحن (وخسرنا معه فرصةً تاريخيةً للتقدمِ). ورغم مطالعتي المدققة لكلِ آثارِ ابن تيمية وأعلام مدرسته (من ابن قيم الجوزية إلى محمد بن عبد الوهاب في نهاية القرن الثامن عشر الميلادي) – فلم تزدني تلك المطالعةُ إِلاَّ نفورًا من هذا التيارِ الكاسحِ وفي الوقتِ نفسه زاد ولعي من جهةٍ بالمعتزلةِ ومن جهةٍ أُخرى بمن قطعوا رحلةً طويلةً على "دربِ العقلِ" مثل ابن سينا والفارابي …ثم بإمامِ أهلِ العقلِ قاطبةً "ابن رشد".
وكنتيجةٍ لتلك الصورة العامة فقد عرف المسلمون نمطين لفهم الإسلام: نمطًا متشددًا شديد الغلو في التحريم والتجريم والتنظيم، ولم يكن هذا النمط موجودًا إلاَّ في الفرق السرية (وهي قليلة في عَددِها وأثرِها) وفي المناطق البدوية بالجزيرة العربية. أما الأماكن الأكثر ازدهارًا عقليَّا وذات الجذور الحضارية العريقة مثل مصر والعراق وتركيا وبلاد سوريا بالمعنى الواسع فقد ساد فيها فهم للإسلام يتسم بدرجة عالية من المرونَةِ والتسامحِ وقبولِ الآخر وعدم تكفير أصحاب الرؤى المختلفة.

إن النصوص الإسلامية تحتمل كل التفسيرات. وقد قالها أوائل المسلمين منذ ألف وأربعمائة سنة عندما كرروا (القرآن حمّال وجوه). والعبرة ليست بالنص (أي نص) وإنما بمن يقرأ ويفهم ويقدم النص.

وعندما كنتُ أعكف على مطالعة أَعمالٍ للغزالي مثل (إحياء علوم الدين) و(معيار العلم) و(معيار العمل) و(المنقذ من الضلال) و (المستصفى من علم الأصول) و (تهافت الفلاسفة) وأُقارن قدر ما بها من "بُعد عن العقل" وما بكتابات ابن رشد من "ثقل عقلاني هائل" كنت أُذهلُ: كيف نالت كتاباتُ "الغزالي" كل هذا التقدير(المبالغ فيه إلى أبعد الحدود) وكيف نالت كتابات "ابن رشد" كل هذا التجاهل (المبالغ فيه إلى أبعد الحدود): ويكفي أَن يعكف قارئٌ جادٌّ على مطالعةِ كتابِ (تهافت الفلاسفة) للغزالي ثم يعقب ذلك بمطالعته كتاب ابن رشد (تهافت التهافت) ليرى البونَ الشاسع في العمقِ وإِعمالِ العقلِ. كذلك ما أكثر ما تساءلت: كيف أخفى مؤرخو الفكر الإسلامي مواقفَ الغزالي المؤيدة للحكام المستبدين بشكلٍ مفرطٍ؟ …وفي المقابل: فقد كان "ابن رشد" مصدرَ ألمٍ دائمٍ للحكامِ المستبدين الراغبين في (تنويم العقول) لأن في ذلك الضمانة الكبرى لأمرين: بقاء الأَحوال على ما هي عليه، ثم بعدهم عن المساءلةِ، فالعقلُ هو مصدر الأسئلة، والأسئلة تؤدي للمساءلة، وكما يردد صديقٌ من المفكرين المستنيرين: فإن الأسئلة مبصرةٌ – والأجوبة عمياءٌ !

وأكررُ أنه كثيرًا ما شغلني هذا السؤَالُ :لماذا انتصرَ المسلمون لأبي حامد الغزالي (وهو يمثل النقل وتقديس السلف ولا معنى للعلم عنده إلاَّ العلم بالدين ويفتح المجالَ أمام إلغاء العقل كليةً بإنكاره إمكان تحصيل المعرفة (أو إدراكها) بالحواس في مواجهةِ ابن رشد (وهو العامـر بنـورِ العقلِ والزارع لكلِ بذورِ نهضةٍ خسرناها)؟ …ما الذي سهَّل للغزالي هذا الانتشار، وصعّب على ابن رشـد مثلـه؟ …وقد استغرقَ الأمرُ سنواتٍ عديدةٍ لأعرف أن العلامةَ الفارقَة كانت هي (الاستبداد). فكيف يمكن لحكامِ المسلمين في زمنِ الغزالي وابن رشد أن يروق لهم فكرٌ إلاَّ فكر الغزالي؟ وكيف لأوروبا التي كانت تحارب معركتها العقلية مع الكهنوت أن تنتصر لأحدٍ كما انتصرت كليةُ الآداب بجامعةِ باريس في القرن الثالث عشر لأفكارِ ابن رشد؟ …لقد كان الاستبدادُ في عالِمنا سائرًا نحو ذروته – فكان الاعجابُ بكتاباتِ من وصل لحدِ إلغاءِ دورِ العقلِ هو الاختيار الواقعي الأمثل. وكان الاستبدادُ في أوروبا قد بدأ يترنح، لذلك فإن قوى التنوير قد نصرت ابن رشد العربي المسلم على توماس الإكويني الأوروبي المسيحي (صاحب نظرية السيفين).

وهكذا يتضح أن " الاستبدادَ" و "الآراءَ المتشددة" و" طغيانَ رجالِ الدين" و "الدعوةَ للحدِ من استعمالِ العقلِ والإسراف في النقلِ" هي كُلها مجموعة من الأشقاء المتماثلين في ملامِحهم ومادتِهم الخامِ التي صُنعوا منها كما أَنهم متماثلون في الغاياتِ. ومع ذلك، فإن الأمورَ ليست كلها إما "سوداء" أو "بيضاء" : فرغم أن المسلمين لم يتح لهم أن يستثمروا فكر ابن رشد بالكيفيةِ المُثلى والتي كانت قمينةً في اعتقادي بجعلِ المسلمين على طريقٍ تشبه الطريق التي سارت عليها أوروبا منذ القرن الثالث عشر حتى بلغت ما بلغت من رقي في الفكرِ والحرياتِ العامةِ والإبداعِ والآدابِ والفنونِ والعلومِ.
إِلاَّ أن المسلمين عرفوا (بنوعٍ نسبيٍّ من التعميم) "إسلامين" : إسلام يمكن وصفه بالإسلام التركي/المصري وإسلام يمكن وصفه بإسلام البداوة.
أما الأول، فيمكن القول إنه حتى منتصف القرن الثامن عشر الميلادي كان هناك فهمان للإسلام (كما ذكرنا آنفًا (: فهم متطرف متشدد يكثر التحريم ووضع القواعد التفصيلية لكلِ أمورِ الدين والدنيا ...وهو الفهم الصحراوي البدوي الذي ساد في مجتمعاتِ كثبان الرمال بشرق الجزيرة العربية. أما الفهمُ الثاني المتسم بالتسامح والمرونة والقبول النسبي للآخر وعدم وضع قواعد تنظيمية تفصيلية لكل أمور الدين والدنيا فهو ما أُسميه بالفهم المصري/التركي/السوري للإسلام والذي شاع في معظم المجتمعات الإسلامية خارج كثبان الجزيرة العربية.

ورغم معرفتي أن هذا الإسلام التركي / المصري لا يمكن وصفه بأنه كان علمانيًّا، إِلاَّ أنه كان كذلك في جوانبَ عديدةٍ منه وليس بمعنى إنكار الدين وإنما بمعنى النظر للدينِ كدينٍ وليس كنظريةٍ متكاملةٍ للحياةِ وتنظيمِ أمورِ المجتمع، فلا أملك أن أصفه بأنه كان مشبعًا بدرجةِ النورِ والتقدمِ والحريةِ التي كانت في فكرِ ابن رشد، ولكنه كان بمعايير القرون التي وجد فيها سمحًا بشكل نسبي معقول.

١.2.2
وفي أماكنَ أخرى، أخذت مجموعاتٌ بشريةٌ فرضت عليها العزلةُ الجغرافية لكونها في مواقعَ داخلية غير ذات صلاتٍ بالعالمِ الخارجي ولا تعيش على (السواحل) في تنميِةِ أفكارِ مدرسة ابن تيمية ثم ابن قيم الجوزية حتى وصلنا إلى أفكار محمد بن عبد الوهاب في منتصف القرن الثامن عشر الميلادي، وهي الأفكار التي يمكن وصفها بأنها سبيكة من الروح النجدية البدوية المتعصبة التي أنجبت "الإخوان" (السعوديين) الذين حاربوا الملك عبد العزيز بن سعود (1870/1953)



في عشرينات القرن العشرين ثم أضيفت لتلك السبيكة ثمارالذهنية القطبية، مع أموال البترول، مع أخطاء دولية بلا حساب كما حدث في أفغانستان في أواخر السبعينات وكما حدث في مصر عندما أحاط رعاة الإخوان المسلمين الكبار ممثلين في أكثر رجال الاعمال وقتئذ ثراءً بأنور السادات وجعلوه يلعب بالشيطان أي يطلق العنان للجماعات الإسلامية في كل مكان ليحاربوا لصالحه (ونيابة عنه) التيار اليساري.

لم يكن محمد بن عبد الوهاب الذي إليه ينسب المذهب الوهابي فقيهًا وإنما رجل دعوة. ولكنه ينتسب (فكريًا) لأكثرِ التياراتِ الإسلاميةِ تأسيسًا لمذهبها على "النقل" وأقلها تعويلاً على "للعقل". فبشكلٍ ما يمكن نسبة محمد عبد الوهاب لابن تيمية (ونسبة استعمال "العقل" عنده قليلة ونسبة "النقل" مطلقة). يُضاف لذلك أثر البيئة الجغرافية. فبينما عرفت مصرُ وسوريا ولبنان والعراق واليمن حضاراتٍ قديمةً تركت أثرَها على التاريخ الإنساني .. وبينما عرفت أماكن مثل "دبي" و"الحجاز" تعاملات واسعة (بسبب التجارة) مع "العالم الخارجي" – فإن صحراء "نجد" في القسم الشرقي مما هو الآن "السعودية" لم تعرف (بحكم طبيعتها الصحراوية الموغلة في الشدةِ والجفافِ) أيةَ حضارةٍ قبل الإسلام .. ولم تكن مركزًا لأية حضارةٍ بعد انتشاره (مثلما كانت عواصمُ الخلافة: المدينة ودمشق وبغداد). ولا يعرف الدارسُ لنجدٍ أية مساهمات لهذه المنطقة في الفنون والآداب والموسيقى إلاَّ الشعر.
وأخيرًا، فإن محمد بن عبد الوهاب ليس فقيهًا على الإطلاق وإنما داعية تياره معالم الذهنية النجدية التي يجب أن تفهم من خلال الكلمات التالية : ذهنية / قبلية / بدوية / صحراوية / داخلية. ولو لم يوجد البترول في هذه المناطق لبقت تلك الذهنية أسيرة جغرافيتها الطبيعية أي كثبان رمال نجد التي لم تنتج أي فكر أو فن تشكيلي أو موسيقى أو أدب روائي أو أدب قصصي وإنما اكتفت بإنتاج شعر موضوعه الوحيد الترويج لقيم القبيلة النجدية .

كان ذلك هو وضع عالم المسلمين حتى ولد بصحراء نجد في سنة 1703 محمد بن عبد الوهاب، وهو الرجل الذي صارت الأمور في نجد على هواه بعد ذلك؛ فحدث في عام 1744 حلف بينه (وعائلته) وبين محمد بن سعود قاضي الدرعية (وأهله أيضًا) وهو الحلف الذي يقوم على أن يحكم آل سعود وفق فتاوى آل الشيخ (محمد بن عبد الوهاب وعائلته أي الوهابيين). وهو الحلف الذي أدى لما يمكن أن نسميه الدولة السعودية الأولى والتي سيطرت منذ سنة 1804 على ما يقرب من مليون ميل مربع في الجزيرة العربية حتى استأصل شأفتها وسحقها إبراهيم ابن محمد علي الكبير في سنة 1819 وهو عام تدمير الدرعية عاصمة الدولة السعودية الأولى.

وكان من الطبيعي أن يحدث صدامٌ بين "الصنفين" : وهذا ما وقع في سني العقدِ الثاني من القرنِ التاسع عشر وفي شكلِ مواجهةٍ بين التيارين، قاد التيار الأكثر استنارة فيه جيشٌ مصريٌ بقيادةِ طوسون بن محمد علي ثم من بعده بقيادة إبراهيم (أعظم أبناء محمد علي)؛ وانتهت هذه الجولة بانتصارِ النموذج التركي/ المصري.
خلال سنواتِ العقدِ الثاني من القرنِ التاسع عشر أرسل حاكمُ مصرَ محمد علي (والذي قدمها والمنطقة كلها للعصر الحديث) جيشًا كبيرًا بقيادة ابنه طوسون ثم بقيادة ابنه إبراهيم بهدفٍ محددٍ هو القضاء على الدولةِ التي كانت قد تكونت في نجد (شرق الجزيرة العربية) وتحكم بناءً على الفهمِ الوهابي للإسلام وتمثل (وهذا هو الأهم) مُناخَ هذه المنطقة الثقافي بالتحديد. وفي سنة 1818 أنجز إبراهيم باشا مهمته إذ ألحق الهزيمة بالطرفِ المقابلِ وحطم عاصمتهم (الدرعية) وأخذ قائدَهم أسيرًا (أُعدم بعد ذلك في اسطنبول) . وتجسد تلك الحربُ الصدامَ بين فهمِ المصريين والأتراك (وكان يُشاركهم في ذلك مسلمو الشام بالمعنى الكبير) من جانبٍ، والفهمِ الوهابي للإسلام من جانب آخر. ولكن ظروفًا عديدة جعلت الفهمَ الأكثر شيوعًا بين المسلمين (The Main Stream) وهو الفهم الوسطي المعتدل المسالم القابل للتعايش مع الآخرين والذي لا يرفض في تشنج ثمارَ التقدمِ والحداثة.
ويمكن القول إن قرارَ محمد على باشا الكبير بارسال ابنه طوسون لتدمير الدولة السعودية الأولى ثم عهده بهذه المهمة لابنه إبراهيم باشا المعروف بكفاءته الحربية الهائلة هو قرار له دلالة بالغة الأهمية: إذ يمكن القول إن الفهم المصري/التركي/السوري للإسلامِ قرر أن يذهب إلى الفهم الإسلامي الوهابي بالغ التطرف والتعصب والتشدد في معقله وتدميره – قرار ثقافي وحضاري هو قبل إن يكون قرارًا سياسيًا أو عسكريًا. إن محمد على

الذي كان مولعًا بالنهضة الأوروبية كان لا يرى أي تعارضٍ بين آلياتِ النهضةِ الأوروبية وكونه مسلمًا – كما أنه كان يرى التعارض (كل التعارض) بين الفهم الصحراوي الوهابي للإسلام وحدوث النهضة التي كان عقله وفكره منشغلاً بها منذ تولي حكم مصر سنة 1805 (وحتى تنازله عن الحكم سنة 1848 لابنه إبراهيم باشا)

.
ثم دارت عجلةُ الزمن، وآلت الأمورُ في تركيا لما آلت إليه، وأخذت مصرُ في التراجع. ومع تراجع مصرَ (خاصة اقتصاديًا وتعليميًا) وهبوط ثروة أُسطورية لم يسمع بمثلها التاريخ على المدرسة الأخرى (المغرقة في النقل وتجميد العقل) كان من الطبيعي أن يزداد التيارُ النقلي (المتشدد) قوةً ويملك أدوات الذيوع بل و يغزو أرض التيار الثاني ويتغلغل في رجالِ مؤسساتِ هذا التيار. حتى وصلنا لرؤية تجسد التيار النقلي المتشدد في طالبان وأخواتها. ولو كانت الغلبةُ قد قُيضت لابن رشد أو لو كانت الظروف لم تسمح بتراجع النموذج التركي / المصري، لما كانت الأمورُ قد وصلت إلى ما وصلت إليه خلال العقودِ الأربعةِ الأخيرة.
فإذا أضفنا "فكر محمد عبد الوهاب" الموغل في التشدد إلى أثر البيئة الصحراوية بالغ القسوة، كنا أمام تفسيرٍ لشدةِ بل قسوةِ آراء وتوجهات وتفسيرات مذهبه (وأؤكد على أن أثر "ذهنية المنطقة" كان أكبر من أثر "المذهب" ذاته). كذلك يمكنّا ذلك من أن نعرف لماذا حارب الملك عبد العزيز بن سعود حركة الإخوان الوهابية في عشرينيات القرن العشرين. فعندما عاد الملكُ عبد العزيز للرياض بعد أن ضم الحجاز لمملكته الشرقية، قال "الإخوان" إن عبد العزيز غادر الرياض على "ناقةٍ" وعاد في "سيارةٍ أمريكيةٍ" .. وهو ما اعتبروه إنحرافًا عن "صحيح الدين". وكان ذلك مجرد مثال لصدامات أخرى معه دارت كلها حول كون الإذاعة "حرام" أو كون "التليفون" من عمل الشيطان .. إلى آخر مواقفِ الصدامِ الأصيلِ في تفكيرهم مع ثمارِ الحداثةِ أو التقدمِ. وهذا التوجه لا يفهم إلاَّ بدراسة ما يُعرف بالفرق السرية في الإسلام (وهي روافد جانبية لم تكن أبدًا بمثابة التيار الرئيسي Main Stream) وثانيًا بدراسةِ دعوةِ محمد بن عبد الوهاب التي هي ابنة أشياءٍ عديدة منها سوسيولوجيًا وجيوبوليتيكيًا صحراء نجد .. وهي عوامل جعلتهم عندما نجحوا في غزو غرب الجزيرة العربية أي الحجاز يوغلون في فرض فهمهم للدين والذي تمثل في أشياءَ مثل تسوية القبور بالأرض ومحاربة الفرق الصوفية في مكة وغيرها (باعتبارها بدعة ضالة من المنظور الوهابي) وتكلل ذلك بالصدامِ المسلحِ مع "المحملِ المصري" فقد كان المصريون يهدون "الكعبة" كسوتها كل سنة ويقومون بنقل الكسوة الجديدة في احتفال (فيه الكثير من ميل المصريين للموسيقى والرقص والمرح) وهو ما اعتبره النجديون عملاً من أعمال الشيطان.
وما أُريد تسليط الضوء عليه هنا هو، أن الصحراءَ الداخلية للجزءِ الشرقي من الجزيرةِ العربية قد عانت تاريخيًا من جغرافيتها معاناةً شديدةً .. فلما جاءت الثروةُ البترولية العظمى (ومن صحراءِها الداخليةِ تحديدًا) فقد كان من الصعبِ تصوّر قيام هذا الجزء من العالم بشيءٍ أقل من "تسويق تفكيره" .. وهو ما حدث بالفعل خلال النصف الثاني من القرنَ العشرين .. وكانت الدراما تكتمل بأن "الإسلامَ غير الوهابي" إبان تلك الفترة قد شهد تراجعًا كبيرًا أمام النموذج المدعوم بأموالٍ لا حد لها: ففي الداخل تراكمت المعضلاتُ بسببِ الاستبداد السياسي وانعدام الحراك الاجتماعي وترك معظم المؤسسات تدار بغيرِ كفاءةٍ مع تدهورٍ مشهودٍ في نظمِ التعليمِ .. ومن الخارج تهب أفكارُ الفهمِ الوهابي المدعوم بطوفانٍ من الإمكانيات .. فكيف لا يتراجع ما كان بمثابة التيار العام Main Stream (وأعني الإسلام غير الوهابي)؟ وكيف لا يبدو الفهم النجدي للإسلام وكأنه هو الإسلام الوحيد رغم أنه كان غيرَ موجودٍ خارج "صحراء نجد" قبل بداية القرن العشرين؟

إن كاتبَ هذه السطور لا يتوقف في محاضراته في أوروبا وأمريكا الشمالية عن تعريفِ العالَمِ بما يُسميه (الإسلام المصري) الذي كان حتى أربعينات هذا القرن مثالاً لا نظير له في السماحة والمرونة وقبول واحترام الآخرين وعدم الانشغال (بشكل سيكوباتي) بتفاصيلٍ لأحكامٍ لا يمكن إلاَّ أن تكون "ابنة زمانها ومكانها وظروفها" وكل ما يُطرح عليها من القداسة هو "عمل بشري" لأن القداسةَ للدينِ ولكنها ليست أبدًا لفهمِ الناسِ للدين : فلا فهمي أنا للدين ولا فهم أي أحد آخر بالمقدسِ، وإنما هو نتيجةٌ طبيعيةٌ لتكوينِ ظروفِ وبنيةِ المحصولِ المعرفي لكلٍ منا.

ولكن كل ما سبق لا ينفي أَن الذين يتحدثون الآن في الغربِ بوجهٍ عام وفي الولاياتِ المتحدة بوجهٍ خاص عن الخطرِ الداهمِ الذي يمثله "الإسلام المقاتل" عليهم أن يسألوا أنفسهم مجموعةً من الأسئلةِ بالغةِ الأهميةِ:

- من الذي أَغمضَ عينيه سنوات عديدة عن المُناخِ العام الذي في ظلِه استشرى النموذج المقاتل للإسلام بينما ترك النموذج المتحضر والإنساني والراقي (الإسلام التركي/ المصري) ليتراجع في ظل تردي الأوضاع العامة (الاقتصادية والتعليمية بوجهٍ خاص) وأن يصبح أرضًا مفتوحة يغزوها النموذجُ المقاتـل – من الذي أغمض عينيه قرابة ثلاثين سنة كاملة – ثم يجئ اليوم معلنًا غضبَه العارم على هذا المُناخ الذي أَفرزَ هذا المارد؟

- من الذي ابتدع في الخمسينيات (وربما قبل ذلك) لعبة استعمال ما يسميه البعض (الإسلام السياسي) لخلق توازنات إستراتيجية ضد الإشتراكية (وكانت لمصرَ في السبعينيات جريرتها الكبرى في نفسِ المجال)؟…

- ألم يدرك الغرب أن في مطبخِ النموذج المقاتلِ لا توجد حريات ولا ديموقراطية ولا حقوق نساء ولا حقوق مواطنين إِلاَّ الآن فقط؟…وهل كان هذا "المطبخ" ذاخرًا بتلك القيم الإنسانية الراقية في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات؟

- لماذا لا يفتح ملف فترة شهر العسل في علاقة المجاهدين الأفغان بالولايات المتحدة؟ وملف علاقة الإسلام السياسي في إيران بالغرب (فرنسا بالذات) قبل وصوله للحكم سنة 1979؟…وقبل ذلك ملف العلاقة بين الحركة السياسية الإسلامية في مصرَ وبريطانيا (التي كانت تحتل مصر وقتها) ولا سيما في ظل حكومتي محمد محمود (1928 و1938)؟

إن العقلَ النقدي الذي تفتخر به الإنسانيةُ المتقدمة يُملي علينا هذه الأسئلـة وغيرهـا – ويملي علينا أن يَقبلَ كلُ طرفٍ أن يتحمل جزءًا من المسئوليةِ عما حدث ويحدث – والعقلُ النقدي يُملي علينا أيضًا أن ننظر بإمعان في النموذجين الذين أشرت لهما في هذا الفصل ونتساءل: أيهما الذي يملك القدرة على مسايرةِ الحضارةِ والتواصلِ مع العالمِ والاشتراكِ في مسيرةِ التمدنِ (دون التخلي عن الكثيرِ من خصوصياتنا الثقافية الإيجابية)؟ أهو النموذج الذي أفرزه المطبخ الذي أَسسه أهل النقل (وهم ضحية العزلة الجغرافية وراء كثبان الرمال) أم النموذج التركي/المصري (ذو الوسطية والاعتدال والسماحة) أم النموذج الغائب دائمًا (نموذج ابن رشد الذي استفادت منه الحضارةُ الغربية وخسرنا نحن بهجره والوقوف مع المدرسة المناهضة له والتي تفتح البابَ على مصراعيه أمام الخرافةِ والأسطورةِ واللاعلمِ وامتطاءِ جواد الاقتتال الذي لا يتوقف عوضًا عن العلم والعمل والبناء والتنمية والتآخي.
أما الفهمُ الآخر فقد وجد من الوسائل اللازمةِ لنشرِه في شتى بقاع الدنيا ما لا نظير له. كما وجد ظروفًا دولية (وانعدام رؤية) تسببت في أن يصبح الفهمُ الاستثنائي المحدود والذي كان محصورًا بين كثبانِ رمالِ صحراء نجد هو الفهم الذي يفـرض نفسه على خشبةِ مسرح الدنيا ويقول: "أنا الإسلام" .. . وبين المشاهدين (في المسرح) من أمضى سنوات يتغاضى عن كلِ شيءٍ (عوامل الداخل والخارج) لأن الممثل الذي يحمل في يده السيف كان يؤدي الدور الذي كان مطلوبًا أن يقوم به – وليحدث بعد ذلك ما يحدث من جراء عوامل الداخل والخارج وانطلاق المارد!
ولكن لماذا يتجه عددٌ غير بسيطٍ من الشبابِ المسلمِ إلى تبني العنف كشكلٍ لأدائه السياسي؟ .. هذا هو السؤَال الذي انشغلت به (ولازالت) جامعاتٌ ومراكز بحوثٍ ودراساتٍ ومفكرون وباحثون ومنظرون عديدون في العالم كله بوجهٍ عامٍ وفي الولاياتِ المتحدةِ بوجهٍ خاصٍ. وقد عكست محاولاتُ الإجابةِ عن هذا السؤَال أشكالاً عدة من أشكال التنظير. وليس هدفي في هذا الفصل تفنيد شتى التفسيرات التي قيلت في محاولاتِ الإجابةِ عن هذا السؤَال بالغ الأهمية. وإنما هدفي أَن أَعرض تفسيري الخاص والذي عرضته مؤخرًا بعدد من المحاضرات خارج مصر كان آخرها بجامعة فيينا.

يقوم تفسيري لظاهرة تبني أعدادٍ من الشباب المسلم للعنفِ كشكلٍ للعمل السياسي على الركائز التالية:
- نصوص القرآن والأحاديث التي يستند إليها دعاةُ العنفِ فُهمت من بداية الإسلام فهمين مختلفين: فهمًا يربطها بظروفٍ وحيثياتٍ معينة، وهذا هو فهم الأغلبية التي اتسمت طيلة قرون بالوسطية والاعتدال. و فهمًا يعمم هذه النصوص (فيما لا يجوز فيه التعميم). وكان أصحابُ هذا الفهم من البدايةِ أقليةً هامشيةً.

الأربعاء، ديسمبر 29، 2010

سامى الراجحى و مشروع منجم السكرى ..... قصة نجاح مصرية ( الجزء الاخير )

السكرى بالارقام
ملخص تقرير لمنجم السكري والصادر عن شركة Centamin Egypt وهى شركة استرالية تستكشف وتستخرج المعادن فى مصر منذ عام 1995 م والشركة نشاطها الرئيسى يرتكز على مشروع منجم السكرى

أشار التقرير أن عملية استخراج الذهب تسير في المخطط الموضوع لها كما ان المؤشرات التقديرية للمخزون تزيد عما تم احتسابه واكدت مؤشرات الحفر تواجد نسبة %73 من النسبة التقديرية لمخزون الذهب واورد التقرير ان مناطق هضاب السكري لم تتم فيها عمليات الحفر إلى ألان لذلك من المتوقع ارتفاع كمية المخزون اكثر من ذلك بعد الحفر فى تلك المناطق , كما ان عمليات الحفر الحالية شملت نطاقات اكبر وأعمق بهدف انتاج 500 الف طن منها سنويا . ويشير التقرير ان المؤشرات الاستكشافية بالمنطقة افادت انتشار معدن الذهب على امتداد المنجم بدرجة تجعل منجم السكري واحدا من أشهرمناجم الذهب عالميا

كما أشارت دراسة ملخص دراسة الجدوى التى تمت فى عام 2007 والخاصة بمنجم السكري الى الاتى :
1- المنجم به محطة صهر رباعية تنتج مقدار 200 ألف أوقية فى المتوسط سنويا و لمدة 15 عام هي فترة التعدين والتي من المتوقع لها ان تمتاز بالرواج الاقتصادي .
2- تكلفة الإنشاء الإجمالية 216 مليون دولار ومتوسط تكلفة التشغيل مقدارها 290 مليون دولار مضاف إليها نسبة 3 % ضريبة على مدار 15 عام
3- نتيجة لارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية وتغير قيمة العملات تم تعديل متوسط تكلفة التشغيل الى 365 مليون دولار .

ويعتبر منجم السكرى هو احدث منجم فى مصر تقوم على تشغيلة شركة ( Centamin Egypt ) المحدودة .يقع المنجم جنوب مدينة مرسى علم على بعد 30 كيلومتر منها فى اقصى جنوب منطقة الهضاب الجيراتينية و تبلغ مساحة المنجم 160 كيلو متر مربع ومرخص للعمل لمدة 30 عام قابلة للتجديد مرة اخرى لمدة مماثلة ومخزون المنجم عبارة عن نطاق هش وسهل التكسير يحوى مخزون الذهب والذي نجده متداخل مع مركبات شبة جراتينية من بلورات التوناليت الجرانيتة ذات الحبيبات البركانية
وقد استخدم منجم السكرى قديما فى عهد الفراعنة حيث توجد دلالات على ذلك متمثلة فى عدة نطاقات من الحفر
صورة للملك فاروق داخل منجم السكرى


ومشروع منجم ذهب السكرى تم تقدير المرحلة الاولى للحفر لمدة 15 عام يتم فيها استخراج مقدار 78مليون طن من المواد الخام ومن المتوقع تقديريا ان يتم انتاج 1.5 جرام لكل طن كما ان المتخلف من المعادن الأخرى الناتجة عن ذلك يعادل 374 مليون طن على مدار 15 عام .وينقسم المنجم الى اربع نطاقات وهى الفراعنة ورع وامون والغزالى . والتقرير يعرض كل قطاع على حدة موضحا موقع عملية الحفر والعمق المستخدم والمستهدف والكميات المستخرجة والمستهدف استخراجها مع عرض خريطة جيولوجية لكل قطاع على حدة .
كما اورد التقرير انه سيتم اتباع الطرق التقليدية فى عملية التعدين لفصل الذهب عن المخلفات التعدينية الاوكسيدية الاخرى.

وتمر عملية استخراج الذهب بمنجم السكري بعدة مراحل وهى:
– التكسير .
– تجميع المادة الخام التى تم تكسيرها.
– طحن المادة الخام .
– تعويم المادة الخام لفصل المعادن الثمينة .
– تصفية و تركيز المنتج .
– طحن المنتج بدقة .


– فصل المعادن الثمينة باستخدام محلول السيانيد .
– التجفيف باستخدام الكربون النشط .
– فصل الكربون عن المعادن .
– فصل الذهب والمعادن الثمينة
– حفظ البقايا فى المكان المخصص لها .

ويتم حفظ البقايا لاحتوائها على العديد من ترسبات الذهب ثم يتم إضافة محلول السيانيد اليها تم الكربون النشط وبعدها تفصل ترسبات الذهب التى تخلفت من العملية السابقة ثم فى المرحلة الاخيرة يتم الاحتفاظ بالبقايا مرة اخرى فى المكان المخصص لذلك .ويتم الاستعانة بضخ مياه البحر الاحمر الى المنجم للقيام بعمليات تعويم المواد الخام والاحلال والترسيب فى محطات المتابعة بينما يتم ضخ 500 متر مكعب لتحليتها لاستخدامها فى الشرب والاغراض الاخرى ,اما بالنسبة للكهرباء فيتم انتاجها عبر محطة توليد الكهرباء الخاصة بالمنجم والتى تنتج مقدار 28 ميجا وات وهى تعمل باستخدام الزيت وتم تصنيعها فى تركيا كما تم اقامة معسكرسكنى ليضم عدد 700 فرد ويشغل عدد 400 فرد المعسكر حاليا وعدد 150 فرد يقيمون فى معسكر التنقيب والاستكشاف . وتم الاستعانة بشاحنات ومعدات للنقل والحفر من شركتى COPCO و CATERPILLAR .
كما اشار التقرير ان الارقام المطروحة هى نسب تقريبية تتأثر بعدة عوامل منها الاختبارات المعملية للعينة و التى قد تختلف من منطقة الى الأخرى .

والتقدير النسبى للمخزون وعدم استقرار الأسواق والعملة وغيرها قد تتغير من وقت إلى أخر
ورد بالخريطة عدة تركيزات للذهب تعتمد على المكان المأخوذ منها العينة والتى يرمز لها هنا بالرمز ) @ ) ومنها :
- على عمق 41 متر كان تركيز الذهب بالعينة يعادل 1.25 جرام لكل طن .
m@1.25g/t.AU41
- على عمق 65 متر كان تركيز الذهب بالعينة يعادل 2.24 جرام لكل طن .
65m@2.24g/t.AU
- على عمق 33,4 متر كان تركيز الذهب بالعينة يعادل 7.30 جرام لكل طن .
33.4m@7.30g/t.AU
عقد الانتفاع الخاص بمنجم السكرى
تعد شركة مناجم ذهب الفراعنة أو ( PGM ) هي شركة تملكها كليتا شركة ( Centamin Egypt ) الاسترالية والتى يرأسها حاليا جوزيف الراجحى

وفى 29 يناير عام 1995 تم الاتفاق بين الهيئة العامة المصرية للثروة المعدنية ( EGSMA ) أو ( EMRA) وشركة الفراعنة ( PGM )على الدخول فى عقد انتفاع لاستكشاف واستغلال منجم ذهب السكرى وبيع المنتج والمخلفات المعدنية الناتجة من نشاط تعدين ذهب منجم السكرى وقد انضمت جمهورية مصر العرابية كطرف ثالث فى العقد وكانت المدة المقررة للعقد عام واحد واتفق الأطراف الثلاثة على مد فترة التعاقد الى ثلاث سنوات وعقد الانتفاع هذا تم تفعيله طبقا لقانون 13 لعام 1995 م .

وطبقا لعقد الانتفاع قامت شركة الفراعنة بإعداد دراسة جدوى لدعم الطلب المقدم من جانبها الى الهيئة العامة المصرية للثروة المعدنية (EMRA) بشأن الحصول على عقد انتفاع لاستغلال استخراج الذهب اقتصاديا من منجم السكرى واعلنت هيئة الثروة المعدنية المصرية شركة الفراعنة فى نوفمبر عام 2001 بموافقتها على تحويل العقد من عقد استكشاف الى عقد استخراج واستغلال اقتصادي للذهب من منجم السكرى على مساحة 160 كيلو متر ولمدة ثلاثون عام تبدأ من 25 مايو 2005 وهذه المدة قابلة للتجديد لمدة مماثلة اذا ما قدمت شركة الفراعنة الاسباب الاقتصادية التى تدعو لذلك ويلغى عقد الإيجار الخاص باستخراج الذهب اذا ما اخفقت الشركة فى استخراج وانتاج الذهب خلال خمس سنوات من التوقيع على العقد .

وبناء على استخراج العينات الاولى للذهب تم الاتفاق بين الهيئة العامة للثروة المعدنية وشركة الفراعنة الاسترالية على تكوين شركة من كلا الطرفين تسمى ( شركة تعدين ذهب السكرى ) بنسبة امتلاك قدرها 50 % لكل طرف و بهدف ادارة وتشغيل واستخراج وبيع ذهب السكرى , تم انشاء هذه الشركة طبقا للقوانين المصرية المعمول بها فى 27 مارس 2006 بهدف القيام باعمال الاستخراج والتعدين والتسويق والبيع اعتمادا على عقد الانتفاع والمركز الرئيسى لهذه الشركة يقع فى 361 طريق الحرية – سيدى جابر- الاسكندرية
تحصل جمهورية مصر العرابية من خلال هذا الاتفاق على اجمالى نسبة 3% من صافى مبيعات الذهب والمعادن الاخرى لمنجم السكرى وتدفع هذه القيمة كل ستة اشهر ميلادية كما يتم احتساب صافى المبيعات بعد خصم تكلفة استخراج وتنقية الذهب ومصاريف الشحن وبالإضافة الى خصم قيمة العقوبات التى يتم فرضها طبقا لنوعية وجودة الذهب ومصاريف التأمينوالنقل ,,, جميع هذه المصروفات لا يتحملها العملاء ولكن تخصم من قيمة المبيعات .

طبقا لعقد الانتفاع تقوم شركة الفراعنة الاسترالية بتوفير التمويل المالى للمشروع وتحصل على قيمة ما أنفقته من صافى عائد المبيعات ( بعد خصم النسبة المدفوعة لجمهورية مصر العرابية .)
- يتم دفع تكلفة مصروفات عملية التشغيل بعد أول إنتاج اقتصادى
-مصاريف تكلفة الاستكشاف بما فى ذلك مصاريف أول انتاج يتم خصمها بنسبة 33,3 كل عام
-مصاريف تكلفة الاستخراج والمصاريف الاخرى المتراكمة قبل عملية الانتاج الاولى يتم خصمها ايضا بنسبة 33,3 سنويا .

الثلاثاء، ديسمبر 28، 2010

سامى الراجحى و مشروع منجم السكرى ..... قصة نجاح مصرية ( الجزء الثالث )

اى ما كان فإن الشركه التى تقوم بالعمليات الان هى شركه السكرى وهى شركه مشتركه بين الحكومه متمثله فى هيئه الثروه المعدنيه والشركه الفرعونيه لمناجم الذهب وهى استراليه انشأها الجيولوجى سامى الراجحى خصيصا للعمل فى مصر وهى احدى شركات سينتامين ايجبت التى أسسها سامى الراجحى وهو مصرى الجنسيه..خريج كليه العلوم جامعه اسكندريه ومهاجر اللى استراليا منذ الستينات .وشركه سينتامين مدرجه على بورصه لندن &استراليا كندا.حيث يمتلك غالبيه اسهمها سامى الراجحى الذى أسس الشركه الفرعونيه والتى بدأت العمل فى مصر بالقانون 222لسنه 1994بحق امتياز الشركه بالبحث والتنقيب واستخراج الذهب والمعادن المصاحبه له فى بعض الاماكن فى الصحراء الشرقبه

وقد فازت شركة «أوسينكو» العالمية بعقد تصميم وتنفيذ مصنع استخراج الذهب بالمشروع وذلك بتكلفة تصل إلى 200 مليون دولار.
وتتولى الشركة الاسترالية تمويل جزء كبير من المبلغ في حين يتم تمويل الجزء الآخر من بنكي «ستاندرد بنك» الانجليزي و«سوستيه جنرال» الفرنسي في إطار الاتفاق الموقع بينهما وبين «سنتامين» الأم لتمويل انشاء واقامة المصنع الذي يعتبر المرحلة الأخيرة لاستخراج أول سبيكة ذهب مصرية في العصر الحديث.

وقال الدكتور سامي الراجحي، رئيس مجلس ادارة «سنتامين مصر» سابقا إن شركة «أوسينكو» هي الأولى في العالم في تصميم وتنفيذ مصانع استخراج الذهب وتتولى تصميم جميع مصانع استخراج الذهب في أفريقيا بالكامل، ومن المقرر ان يكون انتاج الذهب فعلياً خلال العام الأول بما قيمته مليار دولار تصل إلى 3 مليارات دولار خلال العام الثاني حيث يقدر حجم الذهب بالوضع الحالي بـ 20 مليون أوقية على الأقل.
وقال الراجحي ان وفدا رفيع المستوى من شركة «أوسينكو» وصل الى القاهرة للمرة الأولى في تاريخ الشركة لتوقيع عقد انشاء وتصميم وتنفيذ المصنع بتكلفة تصل إلى 200 مليون دولار بدون أي تمويل بنكي محلي على الاطلاق، حيث تنافست عدة عروض لأسماء عالمية على تنفيذ المصنع، وذلك بعد أن أكدت جميع دراسات وأبحاث تلك الشركات ان مشروع السكري سيكون أكبر منجم ذهب في أفريقيا حيث أن أسماء الشركات التي تنافست على الفوز بتركيب وتصميم المصنع يكفي الواحد منها لجذب شركات تعدين الذهب في العالم

. جاء ذلك خلال اللقاء بين د سامى الراجحى مع المهندس سامح فهمى وزير البترول والثروة المعدنية حيث أكد الوزير الاستمرار فى توفير كافة أوجه الدعم لإنطلاق أنشطة الثروات المعدنية خاصة أنشطة البحث عن الذهب مشيرا إلى أن هذا النشاط من الأنشطة كثيفة العمالة والتى تحقق التنمية خاصة فى جنوب الوادى وسيناء.


جدير بالذكر أن المشروع يعمل به 15 شركة مقاولات مصرية و3 شركات عالمية لسرعة الإنتهاء من تركيبات مصنع إستخلاص الذهب من منجم السكرى.
ويعد هذا المشروع من أكبر مناجم الذهب فى العالم والذى بلغت تكلفته الرأسمالية حوالى 310 ملايين دولار ويستوعب حوالى 4 ألاف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة.

من ناحيته قال جوزيف الراجحي، العضو المنتدب لشركة «سنتامين مصر»، إن «الشركة وضعت مصر على رأس مشروعاتها خلال الفترة ، حيث تم يومياً ارسال 2000 عينة من المنجم لتحليلها بمعاملنا في استراليا وفي معامل أخرى محايدة، ومن خلال النتائج نؤكد أن في مصر أكبر مخزون ذهب في أفريقيا والوطن العربي ويكفي أن إنتاج السكري فقط سوف يعادل ما تنتجه السعودية سنوياً من الذهب وقيمته 100 ألف أوقية تقريباً».

وقد بدأت الهيئة المصرية للثروة المعدنية، مفاوضاتها مع الشركة الأسترالية التى تقوم بإنتاج الذهب من منجم السكرى بالصحراء الشرقية، لتعديل الشروط الخاصة باقتسام الذهب المنتج، ليصبح 30% لمصر بدلا من 5%حاليا.
وتتضمن الشروط الحالية عدم حصول الجانب المصرى على أى عوائد مالية من المشروع، إلا بعد استرداد الشركة الأسترالية استثمارتها بالمشروع، البالغة 426 مليون دولار واقتصار العوائد المصرية على الإتاوة المقدرة بـ5% لحين انتهاء عملية الاسترداد، على أن يتم اقتسام العائدات بعد الاسترداد بنسبة 55% لمصر، والباقى للشركة الأسترالية، التى تتحمل كل الاستثمارات وتكاليف الإنتاج.

كان المهندس سامح فهمى وزير البترول، قد طلب خلال زيارتة المنجم الأسبوع الماضى ضرورة تعديل شروط الاتفاقية، لتحصل مصر على عوائد حالية من الذهب، خاصة مع ارتفاع أسعاره عالميا وتجازها حاجز الألف وثلاثمائة دولار للأوقية، لأول مرة فى تاريخ صناعة الذهب.
وقال مصدر مسئول بهيئة الثروة المعدني،ة إنه تم يوم الأربعاء الماضى، عقد جلسة مباحثات مع المسئولين بالشركة الأسترالية، وطرح الرؤية المصرية للتعديل، والتى تدور حول حصول مصر على حوالى 30% من العوائد، ابتداء من الشهر المقبل على أن تسترد الشركة استثماراتها من خلال النسبة المتبقية، بعيدا عن نسبة الإتاوة، التى تحصل عليها هيئة الثروة المعدنية حاليا.
أضاف المصدر أن المسئولين الأستراليين طلبوا منحهم مهلة لاتخاذ القرار، وإن كانوا قد أبدوا موافقة على التعديل، من حيث المبدأ خاصة أن دراسة الجدوى الخاصة بالمشروع استندت على تقديرات لسعر الأوقية، تتراوح من 600 إلى 800 دولار للأوقية، بما يمثل حوالى 60%من الأسعار الحالية.
وأشار المصدر إلى الاحتمالات، شبه المؤكدة على موافقة الجانب الأسترالى على التعديل، وبصفة خاصة أنه سبق تقدمه بطلب للتوسع فى المشوع الحالى، بعد وصول احتياطيات المنجم إلى 14 مليون أوقية، وكذلك دخوله فى المزايدات المقبلة، التى تدرس مصر حاليا طرحها على الشركات العربية والأجنبية.

يذكر أن إنتاج مصر من منجم السكرى بلغ حتى الان حوالى 3,6 طن تقدر قيمتها بحوالى 130 مليون دولار، وذلك منذ بداية الإنتاج نهاية يناير الماضى.
على جانب اخر توقع الدكتور سامي الراجحي خبير تعدين الذهب والمدير التنفيذي لشركة شنتامين الاسترالية العالمية ارتفاع سعر أوقية الذهب إلي ألفى دولار قريبا مؤكداً استمرار الارتفاع الحالي للذهب بشكل متوالي الأيام المقبلة.
وأرجع ذلك إلي توقف العديد من مناجم الذهب الكبري في العالم عن العمل لانتهاء عمرها الافتراضي، مشيرا إلي أن الاكتشافات الجديدة لمناجم الذهب في العالم لا تزال محدودة، وما تم اكتشافه من مناجم منذ عام ١٩٩٥ حتي الآن لا يتجاوز ٥ مناجم مقابل ١٨ منجماً توقفت عن العمل عالميا الأمر الذي خلق عجزا بين الإنتاج والاستهلاك العالمي في الذهب.
ونفي أن يكون هناك علاقة بين ارتفاع أسعار البترول والذهب مؤكداً أن ارتفاع أسعار البترول خلق طلباً ضخماً في منطقة الخليج علي شراء الذهب باعتباره أفضل استثمار. وتوقع الراجحي أن تدخل مصر استثمارات تعدين الذهب بعد استخراج أول كميات تجارية من منجم ذهب السكري بالصحراء الشرقية كذلك دخول المغرب في اتفاقيات مع شركات الذهب العالمية للبحث في أراضيها

موقع الشركة على الانترنت www.centamin.com.au

الاثنين، ديسمبر 27، 2010

سامى الراجحى و مشروع منجم السكرى .... قصة نجاح مصرية ( الجزء الثانى )

وكانت الشركة الفرعونية لمناجم الذهب قد عاودت عملها بمنطقة جبل السكري بالصحراء المصرية لاستخراج أول سبيكة ذهب تجارية وذلك بعد توقف عامين بسبب الخلافات التي نشبت بينها وبين هيئة المساحة الجيولوجية المصرية والتي فشلت أي حلول ودية في حلها ووصل الأمر لتبادل الدعاوى القضائية وبلاغات من الطرفين للشرطة حيث تنازل الطرفان عن كافة الدعاوى القضائية بينهما عقب لقاء الدكتور سامي الراجحي مع السيد سامح فهمي وزير البترول والثروة المعدنية المصري الذي انتقلت لوزارته هيئة المساحة الجيولوجية وهو اللقاء الذي انتهى بحل الخلافات السابقة وطلب فهمي سرعة معاودة العمل بشكل كامل في منجم السكري لاستعادة سمعة البحث عن الذهب في مصر.

وقال الدكتور سامي الراجحي إن خسائر الشركة بسبب سياسات الوزارة السابقة وصلت الى 50 مليون دولار حيث تسببت القرارات الوزارية غير المبررة في وقف العمل تماما في المرحلة الأخيرة من المشروع والذي بدأ قبل 15 سنة بموجب اتفاقية تعدين دولية بين الشركة والحكومة المصرية إلا أن الخسارة الحقيقية تعتبر في مدة العامين من توقف العمل الذي أثر على سمعة المشروع في أسواق التعدين العالمية باعتباره أول تجربة عملية للتعدين في مصر بمعرفة شركة دولية في حجم «سنتامين» الأسترالية التي تتبع لها الفرعونية للذهب.
ومؤكدا على أن الاتفاق الذي تم بين الشركة وبنكي سوستيه جنرال الفرنسي واستناردر شارتردر الإنجليزي لتمويل المرحلة الأخيرة من المشروع لا يزال قائما ولم يتأثر مطلقا بالمنازعات التي عطلت العمل طوال عامين

واذا تحدثنا عن تلك العوائق فأننا فإننا نعرض لفضيحة "عيار 24" لقيام وزارة الصناعة بالتنكيل بشركة استثمار مصرية لحساب شركة أجنبية تنذر أعمالها بالنصب فى هذا المجال. فمنذ سنوات حصلت شركة مصرية على حق التنقيب عن الذهب فى منطقة جبل السكرى وبالفعل وضعت الشركة استثماراتها وقامت بأخذ أكثر من 140 ألف عينة وتحليلها، وأكدت الدراسات على أن المنجم يحتوى على نحو 20 مليون أوقية ذهب! وبدلا من أن يهتم وزير الصناعة السابق د على الصعيدى بتشجيع المشروع خاصة مع ما يزعمه من الترويج للاستثمار فى الثروة التعدينية جاءت المفاجأة فى محاربة الشركة!. فى البداية حاول حزب أعداء النجاح الترويج بأن رئيس الشركة يهودى وجاء الرد المفحم بأنه مصرى أبا عن جد ومن رشيد بالبحيرة!. ونجح فى جذب مجموعة شركاء مصريين وأجانب إلا أن هذا لم يمنع من البحث والتنقيب عن صور إرهاب أخرى للشركة ومنها:
- عدم تجديد خطاب الإعفاء من ضريبة المبيعات وعدم تجديد ترخيص سيارات الشركة وقامت المساحة الجيولوجية بتصعيد الإرهاب بتقديم بلاغات ضد الشركة لايقاف العمال عن العمل وايقاف المعدات عن التنقيب والسيارات عن أى حركة وإعلان المساحة عن إنهاء عمل الشركة!!. ولم يكن أمام الشركة إلا اللجوء للقضاء مطالبة بتعويض 200 مليون جنيه والذى أحال الدعوى للتحكيم تبعا لأحد شروط العقد إلا أنه استمرارا للتضليل زعمت وزارة الصناعة بأن محكمة القضاء الإدارى رفضت الدعوى وفارق كبير بين إحالة الدعوى للتحكيم وبين رفض الدعوى خاصة أن المحكمة لم تتعرض مطلقا لموضوع الدعوى وفى الوقت نفسه أكدت تحقيقات النيابة فى بلاغات المساحة الجيولوجية ضد تجاوزات الشركة بأنها غير صحيحة وهو ما يستوجب الإفراج عن المعدات والسيارات والتصريح لاستخدامها فى العمل وهو ما رفضت المساحة تنفيذه!!.

وهنا أضطرت إدارة الشركة إلى توجيه الدعوى إلى كبار علماء الثروة التعدينية فى مصر والمشهود لهم بالحياد والوطنية وعلى رأسهم د. عاطف دردير ود. عزت معروف ود. بهى الدين حسن ود. محمد الوجيه ود. سيد عبدالرسول ود. جابر نعيم ود. محمود حسان ود. سميح العافية وم.صبرى عجلان ود. عبدالحميد عامر وغيرهم من العلماء إضافة إلى توجيه الدعوة لكل الصحفيين المهتمين بهذا المجال.. وهنا أدرك كل من وزير الصناعة ورئيس المساحة الجيولوجية خطورة رد الفعل بعد أن يعلن العلماء الوطنيون رأيهم وبحضور الصحفيين وعلى الفور تقدم أبوالحسن عبدالرءوف رئيس هيئة المساحة الجيولوجية ببلاغات لكل الجهات الأمنية زعم فيها أن الشركة الفرعونية لمناجم الذهب تقوم بالإعداد لمؤتمر فى منطقة السكرى بجنوب مرسى علم يوم الخميس 13/3/2004 وأضاف البلاغ زاعما أن الشركة المذكورة منذ فترة تمارس أعمالا غير مسئولة وتضر بمصلحة مصر والاستثمار التعدينى والأمن القومى، حيث إنها تدعو بعض الأجانب إلى موقع الشركة دون الحصول على أية موافقات أمنية ورسمية من جهات الاختصاص.. وأن المؤتمر الغرض منه تشويه سمعة مصر فى الوقت الذى تتضافر به الجهود نحو وضع مصر فى مكانها الطبيعى.. برجاء العمل على ايقاف هذا المؤتمر لما له من نتائج سيئة(!!).

ورغم الكذب الواضح فى هذا البلاغ وهو ما أكده علماء الثروة المعدنية والجيولوجية لنا حيث لم يكن هناك أجانب سوى المستثمرين بالشركة كما أن الغرض من المؤتمر هو ايضاح الصورة الحقيقية لما يتعرض له المشروع من تعنت المساحة الجيولوجية ووزارة الصناعة ومدى ما يقدمه المشروع بالفعل للاستثمار فى مصر. وقد تم منع جميع الذين تمت دعوتهم للمؤتمر إلا أن د. عزت معروف تمكن من ركوب الطائرة وجاءت المفاجأة عقب نزوله باحتجازه حتى عودته على أول طائرة ومنعه من التوجه إلى موقع المشروع، كما تم احتجاز المستثمرين والعاملين بالشركة ومنهم الأجانب وبصورة مهينة!. وتتفجر أعجب المفاجآت فى رعاية وزير الصناعة الأسبق لشركة أجنبية تنذر بالنصب فى مجال التنقيب عن الذهب فى الوقت الذى جاء فيه التعنت ضد الشركة المصرية والتى أنفقت أكثر من 25 مليون دولار على عمليات البحث والتنقيب والتفاوض مع بنوك عالمية لتمويل استخراج الذهب من جبل السكرى.

تقول المذكرة المعلوماتية عن الشركة الأجنبية السابق اتهامها بالنصب فى أندونيسيا وهى شركة "BRIE."" أن الشركة استغلت بعض الفساد وطمع الاستثمار والاسترخاء فى تطبيق النظم العالمية فى الاستشكافات وتقدير الخامات وكذلك استغلال ضعف تقارير إحدى البورصات فزعمت بوجود كميات كبيرة من الذهب قفزت من مليونين إلى 200 مليون أوقية خلال فترة قصيرة، وهو ما أدى إلى ارتفاع أسعار أسهم الشركة من 5 سنتات إلى 280 دولارا. وهنا حاولت الشركات العالمية الكبرى شراء الشركة المذكورة وحدث تنافس مع مسئولين سياسيين.. وقد شب حريق فى مكاتب الشركة أدى إلى حرق المستندات والمعلومات الجيولوجية وعندما بدأت شركة أخرى عمل الإجراءات المفترضة بموقع العمل، وتم حفر آبار بجانب الآبار الموجودة حيث تفجرت المفاجأة وتم الكشف عن أدنى مستوى للذهب وتم الكشف عن التلاعب فى المعامل بإضافة محلول الذهب فى بعض العينات للايهام بوجود ذهب بكميات وفيرة وأن العضو المنتدب تمكن من بيع أسهم بمبلغ 13.7 مليون دولار وقام آخر ببيع أسهم بحوالى 30 مليون دولار وثالث ببيع أسهم بمبلغ 22.9 مليون دولار بدون علم البورصة.. وتكشفت الفضيحة وانتحر أحدهم وتم التحفظ على أموال آخرين.. وأصبحت سمعة استثمارات التعدين بأندونيسيا سيئة للغاية بسبب هذا النموذج وهذه الشركة.
ويحذر علماء الجيولوجيا من تكرار عملية نصب مماثلة فى مصر حيث حصلت شركة أجنبية مماثلة على حق التنقيب عن الذهب فى مصر، وزعمت الشركة المذكورة بوجود 23 مليون أوقية ذهب فى موقع عملها بصحراء بلبيس (منطقة حمش)!!. وجاءت المفاجأة التى كشف عنها لنا د. عاطف دردير خبير الجيولوجيا المعروف بأن الشركة المذكورة قامت بأخذ نحو 80 عينة فقط وقاموا بتحليلها بمعمل متواضع للغاية اقامته الشركة بالصحراء بينما المفترض أخذ نحو 140 ألف عينة وأن يتم تحليلها بمعامل المساحة الجيولوجية الرسمية، وهو ما تجاهلته الشركة المذكورة وهو ما ينذر بكارثة تعرض الاقتصاد وسمعة التعدين فى مصر والكشف عن الذهب للدمار. وهذه النماذج المتضاربة من بين محاربة شركة جادة ومجاملة شركة تنذر بالخطر هدد سمعة الذهب فى مصر ويبدو أن وزير الصناعة مغيب تماما، ومنذ أسابيع عقد مؤتمر فى جنوب افريقيا وتحدث الحضور من كل الدول عن نتائج أبحاثهم خاصة فى مجال التنقيب عن الذهب بينما تجاهل الوزير المناقشات الجادة والاستفادة من التجارب فى التنقيب عن الذهب بالدول المختلفة وتطبيقها فى مصر.. كماتجاهل دور الشركة التى تعمل بجبل السكرى رغم أنها تصب فى خانة تشجيع الاستثمار المصرى والأجنبى فى هذا المجال.


ومن جانبنا استطلعنا رأى د. عزت معروف الخبير الوطنى والعالمى المعروف والذى قاد حملة الكشف عن الفساد فى مشروع حديد أسوان فأكد على ما تعانيه الشركة التى تعمل فى مجال الذهب من تعنت واضح وصل إلى منع علماء مصر من التعرف على مشكلات الشركة عن قرب وأنه تم احتجازه بعد أن نجح فى الوصول للموقع بالقرب من مرسى علم وأن المستثمرين الأجانب المساهمين فى الشركة صرحوا له بأنهم لن يستثمروا ثانية فى مصر لأن ما يجرى من تعنت وفساد وإرهاب للمستثمرين ومعاملتهم بطريقة مهينة واحتجازهم وكأنهم رهائن كلها عوامل طرد للاستثمار وللأسف تم هذا مع الجميع سواء المصريين أو الأجانب.. وهذا نموذج لمسه العلماء عن قرب.. وأكد يوسف الراجحى نائب رئيس مجلس إدارة الشركة على صور التعنت العديدة التى جرت على يد وزارة الصناعة والساحة الجيولوجية. وهو ما أكده د. عاطف دردير من صور عديدة أدت إلى فشل الاستثمار فى مجال التعدين رغم أنه مستقبل مصر واقتصادها والأجيال القادمة

الأحد، ديسمبر 26، 2010

سامى الراجحى و مشروع منجم السكرى ...... قصة نجاح مصرية ( الجزء الاول )

يغذي حلم الذهب في مصر جبال السكري التي ترقد على كنوز من الذهب، وتبعد هذه الجبال 350 كيلومتراً عن مدينة الغردقة، وهي عبارة عن مجموعة جبلية تأخذ أشكالا هرمية شاهقة الارتفاع، تكاد تتلامس من القمة، وتفصل بينها مسافات تشبه الأودية في القاع.

وتقسو الطبيعة في هذه البقعة من العالم، فعند حلول وقت الظهيرة، تتأجج الحرارة القاسية وكأن أفرانا تنفث سخونتها في الجو، وليس الحال بأفضل فوق القمم الجبلية، إذ ان التيارات الهوائية الساخنة تنطلق من أسفل إلى اعلى وكأنها سحابة من الضباب، وتزيد المعادن الكامنة بالجبال من سخونة المنطقة.
ورغم قسوة الطبيعة، فان إغراء الذهب اقوى من أي صعاب، ويطلق هذا الإغراء نورا يهدي إلى استخراج ملايين الدولارات من طي النسيان، وهو ما يخفف من وطأة حرارة الجو التي تزيد على 50 درجة مئوية.

وتبدأ هنا قصة المستثمر المصري المهاجر إلى استراليا منذ نهاية الستينات والذي اكتشف العديد من كميات الذهب في استراليا.. وفي احدى زياراته لموطنه الأصلي، سأل الجيولوجي سامي الراجحي رئيس مجلس إدارة شركة سنتامين ايجبت وقتها أصدقاءه لماذا لا استثمر أموالي في مصر؟ قالوا: في أي مجال؟ أجاب: في التعدين طبعا.

وجاء ردهم عليه مفاجئا: لا يوجد في مصر تعدين بالمفهوم الاقتصادي؟!.. وهنا تملكته روح التحدي.. طالع الخرائط الجيولوجية.. استقرت عيناه على عدة مواقع بصحراء البحر الأحمر منها منطقة جبل السكري.. قام بزيارة الموقع.. كرر الزيارة.. ثم توالت الجولات المكوكية والتي أسفرت عن حصوله على عينات من الرمال والصخور.
ثم سافر إلى استراليا.. ومن هناك صرخ عبر الهاتف محدثا إلى احد أصدقائه وجدتها.. وجدتها.. الذهب ومعادن أخري أكدتها التحاليل المبدئية« وهنا أدرك الجميع أن المعادن الثمينة موجودة، وبحاجة إلى من يبحث عنها ويخرجها من مدفنها لترى النور.

التنقيب في جبال السكري

وبالتالي انطلقت وانتشرت فرق العمل فوق التباب الجبلية، وأخذت تعمل وفق برامج جيولوجية اشرف عليها الجيولوجي سامي الراجحي نفسه وكما يؤكد الجيولوجي محمد فرغلي فإنه بعد الاطمئنان إلى نتائج العينات السطحية تم عمل شبكة مساحية بتقسيم المنطقة إلى مربعات في اتجاه الشمال والشرق وتمت الاستعانة بحفارات عملاقة مستوردة من الخارج للقيام بمهمة الحفر.. وذلك باستخدام وصلات من مواسير ذات أقطار معينة يدفع بها الحفار إلى مسافات تصل إلى 400 متر في بطن الصخور.. وتخرج الوصلة الأخيرة بالعينة المستهدف الحصول عليها.

وكما يشير الجيولوجي بهاء صادق فقد تم إجراء جراحة بالآبار الاختبارية لعمق الصخور.. حيث حفر بئر اختباري كل مئة متر.. ثم بئر كل خمسين متراً.. ثم بئر كل خمسة وعشرين أكد تركيز الحفر بزيادة الآبار أن المناطق التي تختزن المعادن ممتدة تحت السطح وليست مقطوعة.. وهذا معناه ضمان الدقة في العينات المسحوبة، وضمان جدوى التشغيل.

وتم بالفعل توقيع اتفاقية للتنقيب بين الشركة والحكومة المصرية ممثلة في هيئة المساحة الجيولوجية وذلك عام 1994، وكما يشير يوسف الراجحي مدير عام الشركة فان الاتفاقية لا تقتصر على التنقيب عن الذهب فقط.. إنما الذهب والمعادن المصاحبة له بالصحراء الشرقية بمناجم أخرى غير السكري في كل من ابومروات والبرامية بمساحة إجمالية 5 آلاف كيلومتر مربع وبالتالي فقد تم اخذ عينات من جميع المواقع بهذه المساحة وأكدتها المعامل الاسترالية.

الدعم الحكومي
وبمقتضى اتفاق بين الطرفين، ستحصل الحكومة المصرية على ثلاثة في المئة من إجمالي مبيعات الذهب، إلا أن الشركة في المقابل لن تدفع ضرائب من أي نوع حتى عام 2030 وانه بمجرد أن تسترد سنتامين تكلفة استثماراتها فإنها ستقسم أرباحها الصافية من المنجم بالتساوي مع الحكومة المصرية.
والأرقام هنا لا تكذب ولا تتجمل، وهي تشير ـــ بحسب أقوال عصمت الراجحي المسؤول عن موقع جبل السكري وأحد المساهمين ـــ إلى أن مساحة الجبل تصل إلى 3000 متر مربع، ويسمي الجزء الذي يجري فيه العمل حاليا بموقع آمون على مساحة 500 متر، وشهدت هذه المساحة حفر 267 بئرا اختباريا، وبتحليل العينات ثبت معمليا أن نسبة الذهب الخالص تتراوح ما بين 2.5 ـ 3.5 غرامات في طن الصخور وهي نسبة عالية ومجدية اقتصاديا للغاية.

وذكر أن أعمال تنقيب أولية كشفت أن قطاعا ثانيا من التل الواقع في منطقة السكري على مسافة 805 كيلومترات جنوبي القاهرة، كشفت انه ربما يحتوي على أربعة ملايين أوقية أخرى من الذهب الممكن استخلاصه وقدر أن التل كله ربما يحتوي على 20 مليون أوقية من الذهب،

ويمكننا القول بأنه لم يكن الفراعنة القدماء أكثر حظا مما نحن عليه الآن من حيث الإمكانات التكنولوجية الهائلة التي باتت متوافرة لدينا وذلك حينما جاءوا الي الصحراء الشرقية بمحافظة البحر الأحمر منذ آلاف السنين سالكين الطرق الوعرة وغير عابئين بقسوة الحياة الصحراوية وعزفوا سيمفونية رائعة في البحث والتنقيب لإنتاج الذهب من نحو‏120‏ منجما شيدوها بهذه المنطقة حيثاإستطاعوا تحديد عروق الكوارتز الحاملة لهذا المعدن استخلصوه منها‏.‏ يومها كانوا يزينون به معابدهم وتماثيلهم وربما حلي لزوجاتهم ومن بين أبرز المناطق التي شرفت بالفراعنة في انتاج الذهب جبل السكري بنطاق مدينة مرسي علم وإلي جواره منطقة تسمي سكيب ومنطقة الفواخير علي بعد‏70‏ كم من طريق‏(‏ القصير ـ قفط‏)‏ وهناك محاولات أخري بعد ذلك لإستكمال مسيرة الفراعنة في هذا المجال ربما كان آخرها في الخمسينيات لكنها توقفت عام‏1954‏ لعدم الجدوي الإقتصادية من جانب ولأسباب أخري من جانب آخر‏.‏ولكن التاريخ يعيد نفسه من جديد وبشكل جدي للغاية وبعائد إقتصادي خيالي من شأنه دفع عجلة الاقتصاد القومي المصري حيث شهدت الأشهر الأولي من العام الحالى2010‏ تحرير شهادة ميلاد جديدة لإنتاج الذهب من جبل السكري ذلك الجبل الذي حباه الخالق بخاصية إحتواء الذهب والسكري يقع علي بعد‏35‏ كم جنوب مدينة مرسي علم وطوله ثلاثة كيلو مترات وعرضه يتراوح مابين‏600‏ الي‏700‏ مترا أما إرتفاعه فنحو‏315‏ مترا وقد توصلت آخر الأبحاث العلمية التي أجرتها الشركة الفرعونية للمناجم صاحبة الأمتياز الي أن جبل السكري يحتوي علي نحو‏20‏ مليون أوقية ذهب منها‏13‏ مليون أوقية مؤكدة و‏7‏ ملايين تحت التأكيد ومنذ بداية العام الحالى وحتي نهايته سيتم انتاج‏200‏ ألف أوقية تزاد الي‏600‏ ألف سنويا ليصل إنتاج المصنع خلال السنوات العشر القادمة الي انتاج ذهب قيمته‏13‏ مليار دولار بالأسعار الحالية‏:‏


ويقول العميد عصمت الراجحي مدير عام منجم السكري بمرسي علم بأنه جرى تركيب مصنع الانتاج علي أحدث ماتوصلت إليه التكنولوجيا فقد وصلت كل معداته علي أرض المشروع باستثمارات قدرها‏350‏ مليون دولار ومنها عشرة أجهزة حفر للاستكشاف وغيرها من المعدات الأخري وتم إقامة مدينة داخل الصحراء يعمل بها الآن‏2000 فرد وإنتهت الشركة من إنشاء خط مياه تكلف‏15‏ مليون جنيه لإستخدام المياه في ترسيب المعادن وتمهيد الطرق وشمل المصنع إقامة حجرة لإنتاج الذهب أما عن الجوانب الفنية المتعلقة باستخلاص الذهب من الصخور في بواطن الصحراء فيشير الي أن طن الصخر يحتوي علي جرامين فقط من الذهب بعد تكسيره لكن المعدات الحديثة إختصرت عمليات التكسير حيث لدي الشركة معدات تستطيع تكسير‏4‏ ملايين طن من الصخرشهريا بما يتيح إنتاج مابين مائة الي مائة وخمسين كيلو جراما شهريا والشركة التي تقوم بهذا المشروع هي شركة استرالية إلا أن رئيس مجلس إدارتها مصري الأصل صعيدي الجذور وهو سامي الراجحي يمتلك‏80%‏ من اسهمها وكان قد هاجر الي استراليا عام‏67‏ وخلال إحدي زياراته لمتحف بإيطاليا شاهد خريطة فرعونية تبين جميع مناجم الذهب الفرعونية في مصر خاصة بالصحراء الشرقية ومن يومها
تخمرت الفكرة في ذهنه فأراد أن يفعل شيئا في بلده وفي البداية صادفته عقبات بيروقراطية ولكن مع إنضمام قطاع الثروة المعدنية لوزارة البترول ووجود وزير البترول المهندس سامح فهمي بدأت عملية تذليل العقبات ودخل المشروع حيز التنفيذ وفقا للإتفاق الموقع بين الشركة والهيئة المصرية للمساحة الجيولوجية فإنه مع بداية الانتاج سوف تحصل الحكومة المصرية علي نسبة‏3%‏ من الإنتاج‏(‏ تحت بند إتاوة‏)‏ ونسبة‏97%‏ تسترد منها الشركة مصاريف الإنتاج والباقي بقسم بين الشركة وهيئة المساحة مع تحمل الشركة للضرائب ومن جانبه يري المحافظ مجدي القيعي أن هذا المشروع سوف يسهم بشكل كبير في دعم الاقتصاد القومي المصري وسوف يكون له مردود إيجابي علي زيادة معدل التنمية في مدينة مرسي علم ومجاوراتها حيث سيوفر نحو أربعة آلاف فرصة عمل خلال مراحله المتتالية‏.‏

و مقتفيا اثر اجداده قدماء المصريين يستكشف جوزيف الراجحي الصحراء الشرقية يحدوه الامل في العثور على مناجم الذهب التي صنعت مجد الفراعنة. فمنذ حوالي عشر سنوات يشرف هذا الاسترالي المصري الاصل على عمليات التنقيب التي تقوم بها شركة سنتامين التي تعمل حفاراتها على تلال جبل السكرى. ويقول الراجحي بفخر "لدينا حتى الان حقول مؤكدة تحوي 14 مليون اوقية من الذهب وهو ما يساوي بالسعر الحالي للسوق قرابة عشرين مليار دولار وهي موجودة في نصف تلة من المنطقة التي حصلنا على امتياز البحث فيها". بدأت مغامرة عائلة الراجحي في الصحراء الشرقية لمصر في التسعينات عندما استلهم الاب سامي الفكرة من لوحة بردي كانت معروضة في متحف تورين في ايطاليا. وربما تكون هذه اللوحة، التي يعود تاريخها الى 1200 عام قبل الميلاد، هي الخارطة الجيولوجية الاقدم في العالم وهي توضح اماكن المناجم التي كان الفراعنة يجلبون منها الذهب في الصحراء الواقعة بين النيل غربا والبحر الاحمر شرقا.

ويؤكد جوزيف ان الفراعنة جلبوا منها 55 مليون اوقية ذهب وهي كمية كبيرة حتى بالمقاييس الحديثة. وحصل سامي، الذي كان يعمل في استراليا في مجال البحث عن مناجم الذهب، على امتياز التنقيب في منطقة قريبة من قريته الاصلية واقام فيها شركته سنتامين. ويقول عصمت الراجحي عم جوزيف ومدير المشروع "انه شئ جميل ان تعود الاسرة للتنقيب عن الذهب هنا بعد ان تفرقت في مختلف انحاء العالم .. انها عودة الى الجذور". ويضيف الرجل الذي كان لواء في قوات الدفاع الجوي قبل ان يتقاعد ان "هذا الحقل سيغير خريطة الصحراء الشرقية". ورغم ان شركة استرالية اخرى هي جيبسلاند ليمتد تنقب عن الذهب في الصحراء المصرية فان الشركات الكبرى في هذا المجال لم تتحمس بعد لهذه المنطقة. ويشرح جوزيف الراجحي ان "العقبة الرئيسية هي قوانين استغلال المناجم في مصر. اننا نقوم بعمليات تنقيب منذ سنوات وانفقنا 30 مليون دولار من دون ان نحصل على اي عائد وقليل من الشركات مستعدة لمثل هذه المخاطرة". ووفقا للقوانين السارية والموروثة من عهد الرئيس جمال عبد الناصر (1952-1970)، فان نصف عائدات شركة سنتامين يجب ان تذهب الى الدولة. وتعتزم مصر بالتعاون مع فرع للبنك الدولي هو المؤسسة المالية الدولية اطلاق تعديل تشريعي في تشرين الاول/اكتوبر المقبل للانتقال الى نظام الريع الثابت، حسب ما قال المسؤول في هذه المؤسسة فرانك سادر. ويوضح سادر انه بعد هذا التعديل التشريعي سيتم عقد مؤتمر لدعوة المستثمرين الى العمل في مصر. وللاستفادة ويعتقد جوزيف الراجحي ان "قانونا جديدا للمناجم سيدفع الشركات الى التقاتل من اجل الفوز بحقوق امتياز في مصر".


وتسعى شركة سنتامين الى تنمية مشروعاتها. ويقول عصمت الراجحي "اننا على وشك توقيع اتفاق مع السلطات لاستئجار قطعة ارض كبيرة بالقرب من البحر (الاحمر) لانشاء مدينة السكرى حيث سنبني بيوتا للعمال ومدارس ومستشفى ومركزا للابحاث الجيولوجية".. ويضيف جوزيف ان "السكرى يعد الان بالفعل واحد من اكبر مناجم افريقيا". ويتابع وهو ينظر الى ادوات الحفر التي تستخدمها شركته "امل ان تكون لدينا قريبا في هذا المكان اكوام من المال".

الاثنين، نوفمبر 22، 2010

من كتاب سجون العقل العربى للمفكر الكبير د / طارق حجى ( الجزء الاول )

نحب أن نضع أمام القارئ المَعْنِيَّ بأمر الإسلام السياسي حقيقة أن الجناح الأكثر تشددًا بين المتأسلمين لا يكف عن محاولةِ الإطاحةِ بكل الأجنحة الأكثر وسطية واعتدالاً داخل عالم المتأسلمين، ناهيك عن عدائه غير القابل للانحسار لغير المسلمين كافة.
عندما هُزم الاتحاد السوفيتي في أفغانستان بعد قرابة عشر سنوات من الحرب بين المجاهدين والسوفيت الذين غزوا أفغانستان في أَواخر السبعينات، تمكن الجناحُ الأكثر تشددًا على الإطلاق من تصفية باقي الأجنحة وانتهت أفغانستان لقمةً سائغةً في فم طالبان والملا عمر.
وفي إيران (منذ 1979) أسفر الصراع بين المتشددين والمعتدلين بعد ربع قرن عن تقدم كبير للمتشددين وتأخر كبير للمعتدلين. وكانت آخرُ حلقات تقدم المتشددين متمثلة في فوز أحمدي نجاد بمنصب رئيس الدولة – وهو رجل بالغ التشدد انتخبه ناخبون بالغو التشدد أيضًا.
ولكنني أُريد هنا أن أعطي القارئ صورة أكثر وضوحًا عن حقيقة أن الجناح الأكثر تشددًا في عوالم المتأسلمين لا يكف عن محاولة طرد وتصفية الأجنحة الأخرى المعتدلة والوسطية (والاعتدال هنا نسبي أي بالنسبة لذروة التشدد وليس بالنسبة للآراء العصرية ومفاهيم وقيم المجتمعات المتقدمة).

في سنة 1744 أسس رجلان هما الداعية محمد بن عبد الوهاب وقاضي الدرعية محمد بن سعود الحقبة السعودية الأولى، والتي استمرت حتى دمرها إبراهيم باشا ابن محمد علي مؤسس مصر الحديثة سنة 1819. وقد قامت الدولةُ السعودية الأولى على آراء ومفاهيم للإسلام بالغة التشدد تستبعد كل مدارس الفقه الإسلامي (مثل المذهب الحنفي والمالكي والشافعي وفقه الشيعة وأهمه فقه جعفر الصادق وسائر المذاهب الفقهية الأخرى) باستثناء الخط الواصل ما بين الفقيه ابن حنبل والداعية محمد بن عبد الوهاب مرورًا بابن تيمية وابن قيم الجوزية. وكان العداءُ للعالم الخارجي (عن نجد) من أبرز معالم هذه الحقبة. وكذلك العداء السافر المبالغ فيه لكل مظاهر التغيير عن الحياة النجدية.
وقد ظل الحلفُ السعودي/الوهابي خارج السلطة منذ أن دمر إبراهيم باشا "الدرعية" عاصمة الوهابيين (1819) حتى ليلة 15 يناير 1902 عندما تمكن الأميرُ الشاب عبد العزيز بن عبد الرحمن بن سعود (بعد هروبه سرًّا من منفاه في الكويت وتسلله في رحلة محفوفة بالمخاطر عبر الربع الخالي)
من السيطرة على الرياض – بادئًا رحلة تأسيس الدولة السعودية الثالثة. وخلال الفترة من 1819 إلى 1902 قامت دولة سعودية ثانية لفترة وجيزة انتهت بهزيمة السعوديين (وقائدهم فيصل بن سعود الجد المباشر لعبد العزيز بن سعود) في أوائل العقد الأخير من القرن التاسع عشر، وتحول الحكم إلى آل الرشيد، واضطرار آل سعود للهجرة إلى منفاهم في الكويت.
وباختصار، فإن الأميرَ الشاب عبد العزيز بن سعود (والذي كان في السادسة والعشرين عندما استولى على الرياض بادئًا تأسيس الدولة السعودية الثالثة) شرع في توسعة نطاق دولته. وخلال السنوات من 1902 وحتى تمام استيلائه على الحرمين الشريفين باستسلام المدينة المنورة في 5 ديسمبر 1925 كان حلم عبد العزيز بن سعود قد وصل (جغرافيًّا) إلى أقصى مداه. وقد شهدت السنوات من 1902 إلى 1925 العديد من الحروب والتحالفات والصراع الشرس. وخلال تلك السنوات كان عبد العزيز بن سعود يعتمد على ثلاثة أمور أساسية: على جنود متعطشين للقتال تعطشًا لا نظير له ومستعدين للموت استعدادًا يصعب مضاهاته؛ ثم على حكمته وحنكته وبعد نظره وقدراته نادرة التكرار؛ وثالثًا وأخيرًا على بريطانيا التي كانت اللاعب الدولي الأول والأكبر والاقدر في هذا المكان في هذا الزمان.
أَما جنودُه المتعطشون للقتال بشراسة المستعدون للموت دون ذرة تردد فكانوا هم الجماعة التي عُرفت باسم "الإخوان" والذين لا يختلف المؤرخون لتلك الفترة على أن عبد العزيز بن سعود ما كان له أن يتحول من أمير لمدينة الرياض فقط يوم 15 يناير 1902 إلى سلطان نجد والحجاز (فعليًّا) منذ 5 ديسمبر 1925 بدونهم وبدون تعطشهم نادر المثال للقتال وللموت في آن واحد.

كان "الإخوان" من أشد المسلمين كراهية للأجانب (ويسمون عندهم كلهم بالكفار) ومن أشد البشر كراهية لكل مظاهر المدنية مثل التليفون والسيارة والإذاعة بل كانوا يعتبرون ارتداء عباءة مذهبة الأطراف بدعة وكفرًا ومروقًا عن الإسلام.
تركهم عبد العزيز بن سعود دون صدام معهم طيلة فترة احتياجه إليهم (حتى ديسمبر 1925). ولكن بعد أن أدرك أن حلمه لن يتجاوز ما تحقق قيد أَنمله: فبريطانيا لن تسمح له بالاستيلاء على الأركان المائية الأربعة للجزيرة العربية (الكويت، عمان، اليمن، وما هو الآن الأردن) .. كما لن تسمح له بإسقاط عرشي الأخوين فيصل (في العراق) وعبد الله (في شرق الأردن) (ابني الشريف الحسين بن على آخر شريف لمكة
التي تركها في سنة 1925 لتسقط في يد عبد العزيز بن سعود والوهابيين) أصبح عبد العزيز في مواجهة لا يمكن تجنبها مع "الإخوان".
كان الإخوان يكرهون الأجانب، وكان عبد العزيز بن سعود قد أخذ في إحاطةِ نفسهِ بالعديد من البريطانيين إدراكًا منه أن خيوط اللعبة كلها في يد بريطانيا. وكان من أقرب مستشاريه رجل المخابرات البريطانية "جون فيلبي". كما قرب إليه كثيرين مثل محمد أَسد (يهودي بولندي اعتنق الإسلام وكان مقربًا للغاية من عبد العزيز بن سعود) والكاتب اللبناني الماروني أمين الريحاني، وعدد من المصريين مثل حافظ وهبه الذي أصبح سفيرًا للسعودية في لندن .. وغيرهم.
وقد شعر "الإخوان" أن في وجود هؤلاء على أرض الجزيرة إهانة للإسلام (وهو ما كرره أسامة بن لادن بعد ذلك بعقود). كذلك شعر الإخوان بالحنق من قرار عبد العزيز بن سعود بإيقاف القتال. فهم (حسب مذهبهم) لا يعرفون لنهاية القتال وقتًا قبل إدخال كل أهل الأرض في الإسلام.
وثالثًا، شعر الإخوان بالذهول عندما قال كبارُهم إن عبد العزيز قد تغيّر، فقد تحرك (في سنة 1925) من الرياض إلى مكة على ظهر جمل، وعاد من مكة إلى الرياض بعد استيلائه على المدينتين المقدستين في سيارة – وهي بدعة لا يمكن للإخوان قبولها.
وبدأت المشاحناتُ بتمزيق "الإخوان" خطوط الهاتف وتكفيرهم لوجود الأجانب (الكفار!) على أرض الجزيرة وحربهم ضد التليفون والسيارة والكهرباء ثم الراديو (الذي كانوا على يقين أن الشيطان يسكنه).
وهكذا، أصبح من المحتم على عبد العزيز منذ أوائل 1926 وبعد أن أصبح سلطانًا لنجد والحجاز أن يدخل في مواجهة مع الذين كان - منذ سنوات - يقول إنهم أبناؤه وجنده. وتصاعدت المواجهةُ إلى حرب وقتال انتهى بانتصار قوات عبد العزيز بن سعود وهزيمة الإخوان بقيادة فيصل الدويش (مع نهاية عشرينات القرن العشرين).

ولكن نظرًا لأن الحلف القديم (حلف 1744 بين ابن عبد الوهاب وابن سعود) كان ساريًا في كل أنحاء جسد الدولة السعودية الثالثة، فإن "عقلية الإخوان" لم تنته بهزيمة قواتهم بقيادة فيصل الدويش

أمام قوات عبد العزيز بن سعود، وإنما تحولت إلى تيارين:

- تيار مهادن على السطح وموجود داخل النظام (يذكر Robert Lacey في كتابه المهم – بإلإنجليزية – "المملكة – العربية وبيت سعود" أن أحفاد محمد بن عبد الوهاب الذين أصبح لقبهم "آل الشيخ" والذين يمثلون أحد أربع عائلات تحكم المملكة يحتكرون مناصب وزير التعليم العالي ووزير العدل ووزير الحج ووزير الزراعة إلى جانب وزارات أخرى ومناصب عليا محجوزة لهم في الشرطة والجيش).
- تيار لم يتنازل عن "ذرة" من ذهنية الإخوان الذين حاربهم عبد العزيز بن سعود وهزمهم مع نهاية عشرينات القرن العشرين، وهؤلاء أصبحوا حركة سرية أو حركة من حركات تحت الأرض. وظلت هذه الحركة تبرز من حين لآخر. ومن أمثلة بروزها معارضتها افتتاح ثانويات للبنات معارضة انتهت بقتل الشرطة أحدهم في ستينات القرن العشرين وكان ابن أخ الملك الذي كان يحكم وقتها (فيصل). وقد قام شقيق القتيل بعد عشر سنوات بقتل عمه الملك فيصل (في 1975)

.
وكانت أكبر أمثلة ظهور هذا التيار في مرتين:
- الأولى: عندما استولى رجال من أفراد هذا التيار على الحرم المكي (الكعبة) مع بداية القرن الهجري الخامس عشر (منذ ربع قرن) واستمروا في قتال مع القوات السعودية المدعومة بالقوات الفرنسية لفترة غير وجيزة.
- والثانية: عندما تكون من هؤلاء (ثم من آخرين من بلدان إسلامية أخرى) تيار المجاهدين في أفغانستان، والذي عاد بعد ذلك ليكفر الدولة السعودية لسماحها لقوات كافرة بالتواجد على ترابها عقب غزو صدام حسين للكويت (2 أغسطس 1990).

وقد اندمجت ذهنية هؤلاء مع فكرة الحاكمية الوافدة من مصر (القطبية كما يسميها الدارسون الغربيون اليوم) وكونوا معًا ما يعرفه العالم اليوم بالقاعدة.
والرسالة التي آمل إيصالها لذهن القارئ هي أننا أمام فصيل داخل عالم المسلمين المعاصر لا يعود فقط لاتفاق سنة 1744 بين ابن عبد الوهاب وابن سعود (وإن كان هذا الاتفاق هو بداية المرحلة الحالية لهذا الفصيل) وإنما وجد من البداية (الحركات السرية في الإسلام – مثل القرامطة الذين خطفوا الحجر الأسود، وغيرهم ممن كتب عنهم بإبداع صديقي المؤرخ الكبير الدكتور محمود إسماعيل عبد الرزاق)، ولكن هذا الفصيل كان دائمًا فصيلاً هامشيًا يوجد نظيره في كل الأديان. ولكن هذا الفصيل وجد خلال نصف القرن الأخير أسبابًا أغرته بأن يتقدم الصفوف ويقدم نفسه وكأنه (الإسلام). وكانت أهم هذه الأسباب هي:
- تدهور كافة مستويات المجتمعات المسلمة صاحبة التاريخ الطويل في تقديم الإسلام الوَسَطيِّ المعتدل مثل مصر وسوريا والعراق والمغرب - وقد شمل التدهور كل جوانب الحياة من سياسية إلى اقتصادية إلى اجتماعية إلى ثقافية إلى تعليمية كما شمل التدهور المؤسسات الإسلامية بهذه المجتمعات.
- جريمة استعمال الولايات المتحدة هذا الفصيل في ظل ظروف الحرب الباردة في أكثر من مكان (من اليمن في ستينات القرن العشرين إلى أفغانستان بعد ذلك بعشرين سنة).
- ثم ثالثًا: سطوة البترودولار والتي مكنت هذا الفصيل من نشر ذهنيته وتسويقها في سائر أرجاء العالم من خلال إنشاء المراكز والمعاهد والمدارس الإسلامية، ومن خلال المطبوعات وشراء الاعلام والكثير من المؤسسات الاعلامية والثقافية والتعليمية.
وأخيرًا .. فماذا سنفعل لوضع الأمور في نصابها .. والدفاع عن إسلام قدمناه (أي المجتمعات الإسلامية ذات الماضي الحضاري في مصر وسوريا والعراق والمغرب) لقرون كان خلالها يتسم بالاعتدال والوسطية والتعايش مع الآخرين؟

لقد شهد المسلمون في الماضي مجتمعات شاع فيها التسامح (خارج الجزيرة العربية) في مصر وسوريا والأندلس والمغرب العربي؛ و هوإسلام كان وديعًا (بشكل نسبي و بمعايير العصور التي كان فيها) و قابلاً للتعايشِ مع الآخرين، بل و وفر لمعظم الآخرين في ظلِ الدولةِ العثمانيِة حمايةً لم تحظ بها أقلياتٌ مماثلةٌ في الزمن نفسه في أي مكانٍ آخرٍ: فقد عاش مسيحيو الشام ويهود البلاد العربية في ظلِ الدولةِ العثمانيِة في ظروفٍ تشبه ظروف المسلمين في معظمِ الأحوال. وحتى عندما كانوا يتعرضون لفتراتٍ من البطشِ، فإن ذلك كان يحدث في فتراتٍ كان يُبطش فيها بالجميع (الحاكم بأمر الله مثلاً). وكما يقول برنارد لويس، فإن اليهود لعبوا أعظم أدوارهم في التاريخ مرتين:

• مرة في ظل المسلمين (قديمًا).
• ومرة في ظل المسيحيين (حاليًا).


مقارنةُ أحوالِ المجتمعاتِ الإسلاميةِ والعربيةِ اليوم بأحوالها منذ قرنٍ تؤكد أن "ذهنيةَ العنفِ" قد تفاقم وجودُها في هذه المجتمعاتِ. إلاَّ أن الدقةَ في التحليلِ تُملي علينا أن نقول إنه رغم شيوعِ "ذهنيةِ العنفِ" في بعضِ قطاعاتِ المجتمعاتِ الإسلاميةِ والعربيةِ (وليس في كلها) فإن "ثقافةَ ذهنيةِ العنفِ" (وليست "ذهنية العنف" ذاتها) هي التي انتشرت هذا الانتشار الكبير في قطاعاتٍ كبيرةٍ بعددٍ من المجتمعاتِ الإسلاميةِ والعربيةِ. وهذا المناخُ الثقافي العام هو الذي يفرز جنودًا لذهنيةِ العنفِ وللثقافةِ العامةِ لذهنيةِ العنفِ. لقد وجد دائمًا أمثال المودودي وسيد قطب وأسامة بن لادن وأيمن الظواهري ومصعب الزرقاوي في التاريخ الإسلامي ولكنهم كانوا أقليةً.

والمشكلة اليوم، أن دائرة الاقلية اتسعت وأصبح لها من المؤيدين والمتعاطفين أعداد هائلة.
لماذا ؟... ببساطة لأن "الإسلامُ" هو أحد أقوى المؤثرات على "ثقافة" و"عقل" و"طرائق حياة وتفكير وآراء وردود أفعال" عدد كبير من المسلمين.. ولكن يبقى السؤال المهم هو: ما المقصود بالإسلام؟

• النصوص؟
• أم فهم الناس للنصوص؟
• الفقه الإسلامي؟
• وأي مدرسة من مدارس الفقه الإسلامي؟
• التجربة التاريخية؟
• وأية تجربة من التجارب التاريخية؟
• ويضاف أيضًا: وأي إسلام؟
• الإسلام حسب فهم الأمويين؟ .. أم العباسيين؟
• الفقه الإسلامي حسب فهم أبي حنيفة أم حسب فهم مالك أم حسب فهم الشافعي أم حسب فهم ابن حنبل ورجاله (ومنهم ابن تيمية وابن قيم الجوزية ومن الدعاة محمد بن عبد الوهاب)؟ .. أم الفقه الإسلامي حسب فقه الإمامية (وأبرزه فقه جعفر الصادق) أم حسب فقه الخوارج (بفرقهم الأربع وأهمهم الخوارج الإباضية)؟
وهل التجربة التاريخية الإسلامية واحدة؟ .. أم أن ما كان في دمشق الأموية يختلف كثيرًا عما كان في بغداد العباسية؟ .. وكلاهما جِدُّ مختلف عن تجربة تاريخية أخرى في الأندلس شهدت تآخيًا فريدًا بين المسلمين واليهود وكان من أكبر عقول تلك الحقبة مسلم عظيم هو ابن رشد، ويهودي عظيم هو موسى بن ميمون؟
الحقيقة، أن النصوص في حد ذاتها لا تدل على كثير بدون "نوعية" و"عقل" و"آفاق" الإنسان الذي يتعامل معها، ويرجعُ كل ذلك (في تصوري) لخمسةِ أَسبابٍ أَساسيةٍ هي الاستبداد السياسي (ذيوع الأوتوقراطية أو انتفاء الديمقراطية) ثم الانتشار الكبير لثقافة الفهم الوهابي للإسلام (مقابل إنكماش وتراجع كبيرين لثقافة الإسلام غير الوهابي والتي كانت عبر قرون هي التيار الأساسي) ثم انتشار القيم القبليةِ التي شاعت مع ثقافة الفهمِ الوهابي للإسلام. وأما السببُ الرابع فهو نظم التعليم منبتة الصلة بالعصرِ وخامسًا الفساد العارم والذي هو نتيجةٌ منطقيةٌ وحتميةٌ للاستبدادِ السياسي. إذ إن مجتمعات الإسلام القابل للحياة مع البشرية (مصر وسوريا والمغرب العربي قديمًا) قد تدهورت مستوياتُها تدهورًا كبيرًا (سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا وتعليميًّا) في ظل الاستبداد والفساد والطغيان، حتى انفتحت جبهاتها واسعة (مستسلمة) أمام التيار الوافد من نجد.

سجون العقل العربى للمفكر الكبير د / طارق حجى