السبت، يناير 16، 2016

هل يصلح السيسى ما أفسده الدهر ؟ .... بقلم : الشريف الراجحى


طالعتنا وسائل الاعلام مؤخرا بتصريحات للسيد وزير الاستثمار أقل ما توصف به أنها صادمة لكل مطلع على علوم المال و الاعمال و الادارة الحديثة , فقد شدد سيادته  على الإبقاء على شركات قطاع الأعمال العام فى أحضان الدولة.. نافيا وجود أى نية لخصخصتها واعدا بتنمية أصولها والوصول بها إلى نقطة التعادل خاصة الشركات الخاسرة بنهاية العام المالى الحالى , مؤكدا بأن لا تتضمن خطة إعادة الهيكلة تسريح أى عامل خلال الفترة القادمة .

فإننا إذا أمعنا النظر في اغلب المنشات الاقتصادية بالدول التي تبنت نظام التخطيط المركزي والاقتصاد الموجه فقد يثير إعجابنا حجم المنشات بما تحتويه من آلات ومعدات و كثافة بالأيدي العاملة, فإننا بهذا الشكل ننظر إلى المسألة من زاوية "Administration" لان كل ما أثار إعجابنا من مشاهدات لا معنى له من منظور علوم الإدارة الحديثة إذا لم توافقه معلومة محددة في غاية الأهمية ألا وهى آن تلك المنشات بمعداتها وآلاتها وعمالتها تحقق عائدا سنويا لا يقل عن عوائد الإيداعات بالبنوك .
فمن المهم أن نعرف أن أي مشروع لا يحقق عائدا على استثماراته يفوق سعر الفائدة على الإيداعات البنكية سوف يصل حتما إلى مرحلة الإفلاس عاجلا أم أجلا ,حيث سيكون عاجزا عن أداء مهمته الاقتصادية وبالتالي مهامه الأخرى كالقدرة على التشغيل وخلق فرص عمل جديدة  فما بالنا إذا كان صافى اعماله هى الخسائر و الديون ؟
فإذا كان البعض يفتخر بحجم المنشات الاقتصادية التي تمت بمصر في ظروف ومرحلة معينة ,ولم تتمكن تلك المنشات من تحقيق العوائد الاقتصادية المرجوة والمشار إليها آنفا بسبب غياب الإدارة الحديثة والفعالة فإن ذلك الافتخار يدعو إلى الدهشة والتعجب , حيث أنه يفتخر بالإنفاق رغم انه من الأجدر به الافتخار بالنتائج والعوائد التي كانت في معظم الأحوال متواضعة جدا مما أدى في النهاية لفشل التجربة برمتها, فلا يجب ان تخدعنا الكلمات حينما نسمع تلك المقولة الشهيرة التى تتردد كثيرا وهى ( إن المشكلة هي الإدارة ) , فالحق أنها مثال قوى لعبارة صائبة لكنها لا تنطلق بالضرورة من فهم سليم لمعناها أو هدفها.
  لقد كانت ولا تزال تجربة القطاع العام مريرة كالعقلم على كل من يبتغى مصلحة هذا الشعب دون نظرة قاصرة على مصالح فئوية ، فقلد باتت كتلة الخسائر و الفشل و الفساد المسماة بالقطاع العام  كارثة يعاني منها الاقتصاد كإبن عاق لا دور له فى الحياة الا استنزاف اموال ابويه بإسم البنوة , ولا مجال لإصلاحها الا بقرار قوى جرىء لا يخشى لوم لائم ، لانهاء ذلك النزيف المستمرعلى مدي تاريخه الحافل بالخسائر والسقطات الاقتصادية.
لقد بدأت تلك الكارثة الاقتصادية منذ الستينيات بمصادرة وتأميم  شركات ومشروعات ناجحة كانت تضع مصر فى مقدمة الكيانات الاقتصادية فى العالم  , ولكن قد يكون الطريق إلى الحجيم مفروشا بالامانى , فتحت مسمى العدالة الاجتماعية و الاشتراكية تحولت تلك المشروعات الناجحة  إلى شركات قطاع عام تحقق 55 مليار جنيه خسائر سنوية، ناهيك عن البطالة المقنعة بتلك المنظومة الكارثية و الامثلة على ذلك تفوق الحصر فشركة مصر للامونيوم يوجد بها 12 الف موظف فى حين انها تحتاج فقط لـ2000 موظف فقط و المصرية للاتصالات ليست عنا ببعيد . لقد اثبتت كل التجارب في العالم أن الدولة لاتصلح للادارة فكل الشركات التي استمرت كقطاع عام لم تنجح.
إن الفساد الحقيقى ليس أن تقرر الدولة بيع شركة بأقل ما قيمتها الدفترية كما يدعى انصار تيار المشاركة فى الفقر الجماعى بدعوى الاشتراكية , بل أن الفساد هو ان يكون لدينا اصول ضخمة في كل شركات القطاع العام ولكنها غير مستغلة وتسبب نزيف خسائر يثقل كاهل الموازنة العامة للدولة الذي بلغ العجز بها هذا العام الي 350 مليار جنيه ودين داخلي بلغ تريليون و600 مليار واجور وصلت إلى  205 مليار جنيه بفضل كارثة الحد الادني للاجور الذي اقره د حازم الببلاوى دون وجود موارد تقابله.
قد يدعى البعض امكانية الاصلاح بعيدا عن خصخصة تلك الشركات ونقل ملكيتها للقطاع الخاص فيطالب  جهلا او تعمدا بتغيير الادارات الفاشلة  لشركات القطاع العام واستبدالها بأخرى ناجحة  مع التشديد على ضرورة الحفاظ على العمالة والعمل على الاستفادة من الموارد البشرية الكثيرة التى تمتكلها تلك الشركات و تطوير تلك الشركات تكنولوجيا،  املا فى رفع كفاءة الإنتاج بها، والتصدير للخارج  لضمان وقف خسائرها واستمرار ملكيتها للدولة.
 والاجابة ان ما سبق هو كرغبة الشيطان بالسكن فى الفردوس الاعلى بالجنة, فلقد اثبتت كل التجارب صعوبة فصل المنشآت الإنتاجية بالقطاع العام عن الهرم البيروقراطي للدولة فلا يمكن إعطاء هذه المنشآت الاستقلالية التامة في قرارات الشراء والبيع والتوظيف بعيداً عن تدخلات الدولة وحكوماتها ، مما يستحيل معه خلق ثقافة المنافسة و التميز لدى العاملين به على كافة مستوياتهم الادارية .
وأظن اننا لا نحتاج لبذل الجهد فى اثبات  تفوق القطاع الخاص في العملية الإنتاجية وقدرته على تحقيق عائد أكبر للاستثمار في الاقتصاد الوطني، فكل من يطالب الاحتفاظ بالقطاع العام و شركاته هو ليس عميلا ولا من مستخدمى منتجات ذلك القطاع , والا فمن اين أتت الخسائر ؟؟ 
 إنه العناد و التمسك بالراى و الرجعية ليس الا فسلن حالهم  نحن نسير على خطى السابقين مهما كانت الخسائر و نحن نمشى على الدرب حتى لو أدى إلى الهلاك فمهما كان  فشل التجربة من كل الوجوه نحن متمسكون بها !!! 
إن ما يثر الدهشة أن قطاعنا العام محدود الموارد ومرهق كاهله بمتطلبات اجتماعية كبيرة. فلماذا هذا الإصرار من قبل البعض على استمرار القطاع العام في العملية الإنتاجية؟ 
وإذا كان المبرر هو السعي لتحقيق العدالة الاجتماعية فعلى الحكومة سرعة انهاء هذا الملف فورا و الوقت الآن اكثر من مناسب للاستفادة من تلك الاصول غير المستغلة التى من الممكن ان تلعب دورا كبيرا فى تنشيط الاقتصاد وزيادة الموارد مع الاسراع بإصدار تشريعات تعزيز المنافسة وتمنع الاحتكار، مع تطوير منظومة التأمين الصحى الشامل واعانات  البطالة، وهي التشريعات والمؤسسات الموجودة في جميع أنظمة اقتصاد السوق الغربية (أنظمة "الرأسمالية المتوحشة" بالنسبة للبعض)  منذ عشرات السنين، بدلاً من الإصرار على ملكية الدولة لعوامل الإنتاج.
 اما بالنسبة لمن يطالب بأن تدعم الدولة هذا القطاع بالاموال لتطويره , فاعتقد ان ذروة الفساد هم دعم قطاع اقتصادى فاشل من اموال علاج و تعليم اطفال مصر الفقراء فى قراها و نجوعها 
وابشرهم بان لا يعولوا على دعم اى مؤسسات مالية بقروض لتلك الشركات حيث ان اغلب  العروض التمويلية تتأثر بالتصنيف الائتماني لمصر وهذا احد اسبابنا فى رفض ملكية الدولة للمشروعات الانتاجية , ولا سيما ان الاعلام الغربى قد روج لاحكام القضاء الادارى بالغاء عقود خصخصة بعض الشركات بانه تأميم من نوع جديد .. مما ادى الى احجام العديد من المستثمرين عن مجرد التفكير فى التوجه للسوق المصرى.. الذين هم  الامل الذى سيحمي الطبقة الفقيرة  فى مصر ويرفع من مستواها المعيشى وهم السبيل أمام الدولة لزيادة حجم الأستثمارات في مصر.
 أما بشأن الحفاظ و ضمان الوظيفة للعاملين بالقطاع العام  فضمان الوظيفة لا يؤدي إلا إلى الخمول والكسل وقتل روح المبادرة والإبداع لدى العامل وسعيه لتطوير الذات، وهي آخر ما يحتاجه اقتصادنا الوطني في زمن العولمة والتنافسية العالمية. فمن الأفضل أن نعطي الأمان للعامل من خلال برامج تأمين صحى راقية شاملة, فضلاً عن توفير التعليم المجاني متطور و عصرى بدلاً من ضمان الوظيفة,فلا شك عندى أن ريادة القطاع الخاص للعملية الإنتاجية هو في مصلحة الطبقة العاملة، لأن القطاع الخاص الديناميكي يوسع الاستثمارات ويوفر فرص عمل ويمنح أجوراً أعلى , ولتنظر الطبقة العاملة إلى الرفاهية التي وصلت إليها الطبقات العاملة في أنظمة السوق الغربية، حيث تتمتع هذه الطبقات بشبكات الحماية الاجتماعية وتتملك أسهم الشركات , ومعدلات الرغبة فى الهجرة لتلك الدول تؤكد ما اقول .
 سيدى الرئيس ... ارجوك افعلها .. اصلح ما أفسده الدهر ولا تخش فى الحق لومه لائم .. ولا تلتفت للمزايدين .

 مقالات صديقة
مقال للكاتب و الاعلامى السعودى / جمال خاشقجى 
 السيسي لن يكون عبدالناصر... ولكن ماذا عن أوزال أو بينوشيه؟
 
 
الشريف الراجحى 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق