الأربعاء، مايو 18، 2011

من كتاب سجون العقل العربى للمفكر الكبير د / طارق حجى - الجزء الثانى عشر ( السعوديون )




عاد السعوديون بشكلٍ مستترٍ للتأثير في الحياةِ السياسيةِ في شرقِ الجزيرة العربية بعد سنواتٍ مما فعله بهم إبراهيم باشا

(إذ ألقى القبض على كبيرهم وأرسل به إلى مصر ومن مصر إلى أسطنبول حيث لقي حتفه). عاد السعوديون (خفية) لممارسة شئون السياسة مقاسمة مع آل الرشيد

– السعوديون في الرياض وآل الرشيد في حائل حتى اصطدم الفريقان (آل سعود وآل الرشيد) وانهزم السعوديون بزعامةِ عبد الرحمن والد الملك عبد العزيز مؤسس العهد السعودي الثالث بعد ذلك – وكانت هزيمة السعوديين في سنة 1891؛ ورحل الأمير المهزوم (عبد الرحمن)

بأقطاب البيت السعودي إلى الكويت حيث كانوا في ضيافة الشيخ مبارك الصباح والذي لعب دورًا كبيرًا في توجيه الشاب الصغير (عبد العزيز)

ابن عبد الرحمن آل سعود – وكان عبد العزيز قد ولد في سنة 1876 واختمرت فكرة العودة للرياض في ذهنه بتأثيرٍ من عواملٍ عديدةٍ من بينها جلساته مع أمير الكويت الشيخ مبارك الصباح.



و لقد طور محمد بن عبد الوهاب الخطوط العامة لدعوته (ولا أقول لمذهبه الفقهي-فالرجل كان داعية ولم يكن فقيهًا) قبل سنة 1798 والتي شهدت أول احتكاك في الأزمنة الحديثة مع الغرب (وأعني قدوم نابليون وحملته لمصر).

وقد شهدت سنوات الدولة السعودية الأولى

(التي سحقها إبراهيم باشا في سنة 1818)

وكذلك الدولة السعودية الثانية (والتي انتهت في 1891)

مئات النماذج التي تدل في الأساس على رفض التحديث وكل مظاهر المدنية وكراهية غير المسلمين، بل و كراهية المسلمين الذين يخالفونهم في فهمهم للإسلام. فالمسلم (المصري أو السوري) الذي لا يرى غضاضةً في الغناء، كان عند الدولة السعودية الأولى والثانية (مقلدًا للكفار). وعندما حارب الإخوان (إخوان نجد)

الملك عبد العزيز من أجل مظاهر المدنية (كالراديو والتليفزيون والسيارة) ووجود أجانب بجزيرة العرب وذلك خلال عشرينيات القرن العشرين- كان ذلك مجرد تعبير عن معالم أساسية في ذهنية أفراد ومذهب فقهي لا مكان لهما إلا في زمان غير هذا الزمان ولا مكان لهما في أي مكان إلا إذا كان مماثلاً لمكانهم في ملامحه وعناصره الجغرافية.
منذُ أكثر قليلاً من مائتين وخمسين سنة (بالتحديد في سنة 1744) عندما تعاهد رجُلان هُما مُحمد بن سعود ومُحمد بن عبد الوهاب على أمرٍ خلاصته أن يحكم الأولُ وفق مباديءِ وقواعدِ دعوةِ الثاني. وعقب البيعة قال مُحمد بن عبد الوهاب كلمات قليلة كانت بالغة الصدق في التعبيرِ عن جوهرِ حركتهِ التي تُعرَف بالوهابية . قال مُحمد بن عبد الوهاب


(موجهًا حديثه لمُحمد بن سعود) "الدم الدم، الهدم الهدم" . وعلينا أن نُقَدِر صدق الرجل كل التقدير إذ لخص دعوتهُ في أربع كلمات كانت ولا تزال دستور الوهابية . كانت هذه البيعةُ هى أساس الدولة السعودية الوهابية الأولى . ومن يُراجع مؤلفات مُحمد بن عبد الوهاب اليوم (وقد طالعتُ بعناية كتبهِ وهى 19 مؤلفًا) يجدها تُدخله في مجال الدعوة أكثر من أن تُدخله في مجال الفقه . المُهم : استمرت الدولةُ السعودية الأولى من سنة 1744 حتى قامَ إبراهيم باشا (ابن مُحمد علي الكبير)

بالقضاءِ المبرمِ عليها بعد 75 سنة عندما قام بمهاجمة الدولة السعودية وحطمَ عاصمتها (الدرعية)

وألقى القبض على أميرها (عبدُ الله بن سعود)

وأرسله إلى القاهرة ومنها إلى عاصمة الدولة العثمانية حيث تم إعدامه وكانت سماتُ الدولة السعودية الأولى هى محاربة ما تعتقد أنه البِدَع مثل بناء القبور والموسيقى والغناء والتشبه بغير المسلمين في أي مظهرٍ من المظاهر مع كراهية واضحة لهم والاعتقاد بنجاستهم (بل والبصق عليهم كما كان الإخوان يفعلون مع المُستشارين الأوروبيين للملك عبد العزيز في أوائلِ القرن العشرين)

وعدم جواز وجود غير المُسلمين على تُراب الجزيرة العربية مع عداء مُستأصل لكل مظاهر الحداثة حتى لو كنا بصدد أمر بسيط مثل كيفية التعامُل مع الشارب واللحية !! .

كذلك اتسم فُقهاء الدولة السعودية الأولى بسمةٍ لم تَغِب عن الوهابيين قط وهى اعتبار المذهب الحنبلي (بما أَضافه إليه ابن تيمية وابن قيم الجوزية) هو الفهم الوحيد الصحيح للإسلام، رغم أن فقه ابن حنبل هو أضعف مدارس الفقه السُنية الأربعة (الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية).


بعد قضاء إبراهيم باشا على الدولة السعودية/الوهابية الأولى، عاد السعوديون (وفي ذيلهم الوهابيون) إلى المُشاركة في قيادة مجتمعات شرق الجزيرة العربية ولكن هذه المرة للمُشاركة مع آل الرشيد (الذين كانت حائل عاصمة مُلكَهم) . وقد استمر هذا التحالف بين آل الرشيد وما يُمكن أن نُسميه الدولة السعودية الثانية حتى قام آل الرشيد بالتخلص من مُشاركة آل سعود لهم (بل وطردهم إياهم لمنفاهم بالكويت) في سنة 1891 .


وفي سنة 1901 قام الشاب العامر بمؤهلات القيادة وأدوات صُنع التاريخ (عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود المولود سنة 1875) بالاستيلاء على مدينة الرياض

بعد عمليةٍ ليليةٍ بالغةِ الجسارة . وخلال السنوات من 1902 إلى 1925 حفلت حياةُ هذا الأمير السعودي العامر بمواهب القيادة والحُكم بجهود خارقة انتهت بأن يصبح (بعد إستيلائه على مكة والمدينة المنورة سنة 1925)

الحاكم الوحيد لنجدٍ ومناطق أخرى هى التي تُعرَف اليوم بالمملكة العربية السعودية (وهو اسم لم يُستعمل إلا بعد سبع سنوات من صيرورة عبد العزيز آل سعود سلطانًا لنجدٍ ومَلِكًا للحجاز في سنة 1925) .


وخلال رحلة تاريخية نادرة المثال ما بين سنة 1902 وسنة 1925 لم تظهر فقط علامات القيادة الكُبرى من خلال تصرفات وسياسات وأفعال وأقوال عبد العزيز (آل سعود) وإنما دلت كل التفاصيل على فهمه الكامل لطبيعة القوى الكُبرى ما بين الدولة العثمانية والإمبراطورية البريطانية

ثم الإمبراطورية التي ستبرُز بعد ذلك وأعني الإمبراطورية الأمريكية .

وقد لعب عبد العزيز (آل سعود) أدواره بمهارة بالغة وإستعمل كل ما كان من شأنهِ إفادتهِ ودفعهِ نحو هدفه الذي تكون في ذهنيته أيام المنفى الكويتي وخلال تلك السنوات التي قضاها (وأسرته) في ضيافةِ ورعايةِ آل الصباح بالكويت بوجه عام وفي حضانةِ ورعايةِ أمير الكويت الشيخ مبارك (1895/1915) بوجه خاص .


وكما إستعمل الأمريكيون الإسلاميين إبان حقبة الحرب الباردة ليساعدوا الولايات المتحدة في عملية تقويض إمبراطورية الإتحاد السوفيتي (ولا سيما بعد غزو السوفيت لأفغانستان سنة 1979) .

فقد استعمل الأمير عبد العزيز (آل سعود) واعتبارًا من سنة 1912 ما يُشابه أو يُقابل الإسلاميين (الجهاديين) الذين استعملتهم الولايات المُتحدة في أفغانستان ضد السوفيت وأعني حركة الإخوان أو إخوان نجد . ورغم وجود عشرات المؤلفات لدي عن علاقة الأمير عبد العزيز (آل سعود) بحركة الإخوان منذُ بدأ الحلف السياسي بينهما في سنة 1912 وحتى انتهى ذلك الحلف بقتال دموي تمكن فيه السعوديون (بقيادة السُلطان/الملك عبد العزيز آل سعود) من القضاء على الإخوان (بقيادة فيصل الدويش) سنة 1930،

إلا إنني أكتفي بالقليل عن هذه العلاقة هنا . كان الإخوان أو إخوان نجد من أصحاب الغلو البالغ في فهمهم للدين . فكل مظاهر المدنية الحديثة عندهم هى رجز من عمل الشيطان . ونظرًا لأن حلفهم مع ابن سعود كان في فترة تقدم البشرية العلمي الكبير، فقد حاربوا مظاهر هذا التقدم وإعتبروا خطوط التلغراف والسيارات والتليفون ثم بعد ذلك الراديو كُلها من أعمال الشيطان واعتبروا من يقبل بها كافرًا . وللتدليل على غلوهم الذي يدخُل في دائرة الجنون أن واحدًا منهم تقدم وفي يدهِ مقص تجاه السُلطان (عبد العزيز آل سعود) وقام بتقصير ثوبهِ أمام الجميع فيما يُشبه الاعلان أن مباديء الوهابية أقوى من السُلطة السعودية . ومعروف أن تقصير الثوب عند الوهابيين من الضروريات وأن مخالفة ذلك كُفر (!!) .


ولا شك عندي أن الأمير عبد العزيز (ثُم بعد ذلك : السُلطان ثم الملك عبد العزيز آل سعود) قد استعمل الإخوان عندما كان في حاجةٍ لهم، إذ كانوا مُقاتلين بالغي الشجاعة شأنهم شأن كل راغب في الموت. وخلال استعماله لهم (من سنة 1912 إلى إرتفاع رايته فوق معظم الجزيرة العربية سنة 1925) كانت تحدُث صِدامات كبيرة عديدة بينه وبينهم، لدرجة أنهم أعلنوا غضبهم الشديد عليه عندما انتقل من استعمال الإبل لإستعمال السيارة الحديثة . وقال بعضهم عنه "إنه في سنة 1925 خرج من الرياض على ظهر ناقة وعاد إليها في سيارة كاديلاك" (وهو مايعني عند الوهابيين بداية مروقه وخروجه عن صحيح الدين !!) .

ولكن ما أن دانت شبه الجزيرة للسُلطان الذي جنى ثمرة عبقريته وكفاحه بعد انتصاره على الهاشميين

واستيلائه على مناطق مُلكهم (سنة 1925) حتى بدأ الصدام الكبير بينه وبين الإخوان والذي اكتمل بالحرب التي انتهت بانتصار عبد العزيز آل سعود على الإخوان وأسرِه لقائدهم فيصل الدويش الذي ما لبث أن مات في أسرِه بعد بضع سنين .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق