الاثنين، مايو 02، 2011

كتاب سجون العقل العربى للمفكر الكبير د طارق حجى - رؤية أم كابوس؟





• محمود فهمي النقراشي

وجمال عبد الناصر وأنور السادات وحسني مبارك هم الرؤساء التنفيذيون لمصر منذ أواخر أربعينات القرن العشرين. وقد أطلق المتأسلمون النار عليهم جميعًا فقتلوا النقراشي والسادات وفشلوا في قتل الآخرين.

• ظن الأمريكيون أنهم يمكن لهم احتواء أحد أهم زعماء المتأسلمين في مصر وهو عمر عبد الرحمن

فأعطوه تأشيرة دخول الولايات المتحدة. وما أن استقرت له الحال حتى دبر حادث برج التجارة العالمي الأول.

فاعتقلوه وأودعوه السجن.

• يقاتل المتأسلمون في الكويت من أجل عدم إعطاء المرأة الكويتية حقوقها السياسية. وبلغت قوة معارضتهم حد الانتصار على أمير الكويت.



أتذكر هذه الحقائق الكبرى الثلاث وعشرات غيرها كلما تحدث إنسانٌ عن حتمية انخراط المتأسلمين في الحياة السياسية في مصرَ؛ كما يرتجف قلبي من هول مواقف المتأسلمين من المرأة والاقباط إذ أن مكانتهم عند هؤلاء أعلى قليلاً من مكانة أسرى الحرب والرقيق.



و أحاولُ أحيانًا أن أتخيل سيناريو نجاح المتأسلمين في تحقيق كل أهدافهم. فأفترض أن أسامة بن لادن (أو غيره) تم لهم ما يريدون. وأعتقد أنهم يريدون ما يلي.

• خروج الغرب (والولايات المتحدة الأمريكية بالذات) من بلدان المسلمين.
• إنهاء حكم الملوك والرؤساء الحاليين لكونهم (من منظور أسامة بن لادن وأمثاله) عملاء للشيطان الأكبر (الولايات المتحدة).
• وصول أسامة بن لادن (أو واحد مثله) للحكم في بلدان المسلمين وإعلان الخلافة وإلغاء القوانين الوضعية وتطبيق الشريعة الإسلامية.



أغلق عيني أحيانًا وأستمر في تصور هذا السيناريو... ثم أتساءل: وماذا بعد؟.. هنا تكمن مخاطر التفكير. إذ أننا لن نكون إلا أمام إحتمالين. أما الاحتمال الأول، فتقوم في ظلِه عزلةٌ كاملةٌ بين "عالم المسلمين" و"عالم غير المسلمين". وتمتد هذه العزلةُ لسائر الجوانب العلمية والاقتصادية والعسكرية والثقافية. وعندما أستمر في تصوُّر هذا السيناريو وتداعياته، أجد المجتمعات الإسلامية قد تحولت إلى وديان مليئة بالبشر،

قليلة الحظ من العلم وتوظيفاته في سائر مجالات تحسين نوعية الحياة على الأرض (وهذا الأمر غير هام، لأن الحياة في الدنيا ليست هدف المسلم، فما الحياة الدنيا إلا دقائق ومعبر للآخرة بنعيمها أو جحيمها). وستكون تلك المجتمعات مكتظة بالسكان (لأن الشريعة وفق فهم القائمين على تلك المجتمعات تحض الناس على التكاثر لكي يتباهى بهم الرسول (ص) يوم القيامة)… وستكون الأحوالُ المعيشية لهؤلاء الذين قاطعوا العلم الغربي الكافر سيئة للغاية من كافةِ الجوانبِ الاقتصادية والحياتية والصحية والعلمية… ولكن هذا أمر غير مهم – إذ أن "الدنيا" ليست هي غاية المسلم المؤمن الذي يعتبر نفسه في هذه الحياة فوق قنطرة يعبرها في زمن وجيز (هو العمر البشري على الأرض) إما للجنة (بالأنهار والثمار والحور العين) وإما لجهنم (بلظاها ولهيبها). وأحيانًا يصل بي التخيّل لأحوال مجتمعات المسلمين (وفق هذا السيناريو) لأن أرى صورًا تتحرك أمام عيني لبؤس أسطوري ومشاكل عظمى من كافة الأنواع وفي كافة المجالات.

وفي ظل هذا السيناريو يقوم المسلمون أحيانًا بغزوات لعالم الكفار فتأتي أسلحة الكفار المتطورة وتسوي بعالم المسلمين الأرض تاركة صورًا فظيعة من جديلة التخلف والدمار (وذلك أمر طبيعي – فالمسلمون لا يصنعون سلاحهم وإنما يشترونه من عدوهم الأكثر تقدمًا في سائر مجالات العلم والصناعة). وأكاد أسمع خطباء المساجد في عالم المسلمين (وفق هذا السيناريو) وهم يؤكدون لمستمعيهم أن ما يمرون به اختبار من الله وأن النصر المعجزي آت لا محالة، وسوف تدور الدائرة وينتصر المسلمون على دول الكفر ومجتمعاته في يوم لا ريب فيه. وسوف ينهي أئمة المساجد خطبهم بالدعاء أن ينزل الله عقابه الأكبر والخراب الكلي على أهل الكفر من النصارى وأتباعهم اليهود... وسيكون الدعاء مليئًا بالجناس والطباق والقوافي الرنانة بدون شك.



أما السيناريو الثاني، فيفترض أن قادة الإسلام السياسي بعد تحقيق الأهداف المذكورة في مستهل هذا الفصل لن يؤسسوا عزلة بين عالم المسلمين وعالم غير المسلمين. ولكنهم سيقومون بالتعامل مع الكفار عملاً بالمبدأ الفقهي المعروف (الضرورات تبيح المحظورات). وسوف يأخذ هذا التعامل أشكالاً عدة في المجالات الاقتصادية والعلمية والاجتماعية والصناعية والخدمية والزراعية. فعلى المسلم (وفق منظور هذا السيناريو) أن يطلب العلم ولو في الصين.

ووفق هذا السيناريو، فإن المسلمين سينخرطون في تعاملات واسعة مع غير المسلمين. وعندما أُغلق عيني وأستعمل معرفتي المتواضعة بالتاريخ والسياسة والإدارة الحديثة، فإنني أجد نفسي أضحك: لأن هذا السيناريو سيقود المجتمعات الإسلامية للوضع الذي كانت عليه (في تعاملاتها مع غير المسلمين) منذ قرن من الزمان: أي طرف يتعلم من طرف... وطرف يشتري من طرف... وطرف يحاول اللحاق بطرف.
وهكذا تأخذني الحيرة، فسواء كان السيناريو الأول هو الذي ستسير عليه الأمور أو أنها ستسير وفق السيناريو الثاني: فإن السؤال الكبير يبقى بدون تغيير: ولِمَ كل هذا العناء والدم والقتل والدمار والجروح والتشوهات والآلام والقلق والبؤس؟.. وأجدني أضحك بمرارةٍ لا حد لها وأنا أجيب على تساؤلي: من أجل الحكم أيها السادة!.. الفارق الوحيد بين كل السيناريوهات هو: بيد من يكون الحكم. ووفق سيناريو الإسلام السياسي الأول سيكون الحكم بيد الإسلاميين. وكذلك الحال وفق السيناريو الثاني. أما إذا بقيت الأمور على ما هي عليه اليوم، فالإجابة واضحة. أما وفق السيناريو الرابع (أي تطور المجتمعات الإسلامية وتقدمها وذيوع الديموقراطية فيها) فإن الحكم سيكون بيد الشعوب (أو بيد ممثليهم وفق تفويض حقيقي)… وهذا ما لا يشغل أكثر المنشغلين بالسياسة على كافة الجوانب.


في "مرايا نجيب محفوظ"

التي صدرت منذ أكثر من ثلاثين سنة صورًا رُسمت بعبقريةٍ أدبية لشخصياتٍ بعضها عرفناهُ من النص وبعضها عرفناهُ من صاحب النص. ومن الشخصيات التي عرفناها من المصدرين شخصيةٌ قصد بها المؤلف "سيد قطب"

الذي عرفهُ الاستاذ نجيب محفوظ جيدًا خلال النصف الأول من ثلاثينيات القرن الماضي كما كان سيد قطب مع سلامة موسى هما أول من قدما نجيب محفوظ عبد العزيز للقراء منذ أكثر من ستين سنة. وقد صور الاستاذ نجيب محفوظ بعبقريةٍ بذور التعصب في الشخصية التي رسمها (ولا أقول كتبها). وقد كان سيد قطب من مريدي العقاد وتلاميذه-ولكنها كانت علاقةٌ غريبة؛ إذ على خلاف معظم تلاميذ العقاد لم يحظ سيد قطب بكلمة ثناء واحدة بقلم العقاد

عن كتاباته في تلك الفترة والتي لم تكن تخرج عن "النقد الأدبي" و"الشعر". ويعرفُ الذين كانوا مقربين من العقاد وسيد قطب أن الأخير شعر بمرارة كبيرة عندما تجاهل العقاد ديوانه الشعري الذي أصدره سيد قطب في أربعينيات القرن العشرين. وفي زيارةٍ من زياراتي لواحدةٍ من كبريات الجامعات الأمريكية التقيتُ بباحثٍ تخصص في دراسةِ أعمال سيد قطب السابقة لرحلته للولايات المتحدة الأمريكية في أوائل خمسينيات القرن الماضي والتي استمرت لقرابة السنتين. وقد اطلعت على عملٍ أرشيفيٍّ جيد كان من أبرز ما لفت انتباهي فيه خلو أعمال سيد قطب في تلك المرحلة (والتي هي بشكلٍ تقريبيٍّ الفترة من 1930 إلى 1950) من أي كتاباتٍ تشبه كتاباتِه بعد عودته لمصر من رحلته الأمريكية

. كان سيد قطب خلال تلك السنوات العشرين ناقدًا وشاعرًا دون أن يتمكن من الوصول للصف الأول أو حتى الثاني في هذين المجالين. وعندما يطالعُ الإنسان (في جلسةٍ واحدة) الشخصية التي صورها نجيب محفوظ في المرايا وكذلك ديوان سيد قطب الذي صدر في أربعينيات القرن الماضي فإنه يلمس بوضوح "شعورًا كبيرًا بالمرارة".
سافر سيد قطب إلى الولايات المتحدة ورجع لمصر بعد سنتين. بعد عودة سيد قطب لمصر حدثت حركة 23 يوليو 1952. وما بين هذا التاريخ الأخير وتاريخ القبض عليه واعتقاله في سنة 1954

كان سيد قطب مقربًا من قادة الضباط الأحرار بل و يُقال إن مكتبًا كان مخصصًا له في مقر مجلس قيادة الثورة بالجزيرة.

ومعروف أن سيد قطب شعر بمرارةٍ كبيرةٍ عندما لم يضمه الضباطُ الأحرار لقائمة الشخصيات المدنية التي أصبح أعضاؤها وزراءً في وزارات ما بعد 23 يوليو 1952. بعد حادثة المنشية أُلقِي القبض على سيد قطب وأمضى أكثر من عشر سنوات في المعتقل كتب خلالها معظم كتاباته المعروفة ومن أشهرها "وأصغرها حجمًا" معالم في الطريق.
بعد قرابة سنة من خروجه من المعتقل في منتصف ستينيات القرن الماضي اُعْتُقِلَ سيد قطب للمرة الثانية وحوكم وتم إعدامه. وأنا ممن يخالفون سيد قطب في كل آرائه ومع ذلك فأنا بكل عقلي وقلبي وضميري ممن يستبشعون فظاعةِ ووحشيةِ وإجراميةِ ما حدث في حقه منذ اعتقاله (سنة 1965) وحتى إعدامه سنة 1966.

ولكن هذا لا يمنعني من التساؤل: ما الذي حدث للرجل الذي كان ناقدًا أدبيًا وشاعرًا أثناء وجوده في الولايات المتحدة الأمريكية وجعله يعود من تلك الرحلة شخصًا غير الذي ترك مصر قبل سنتين؟. كيف ولماذا نبتت تلك المرارة الشديدة على الآخرين؟؟ وكيف انتقلت روح ابن تيميه فيما يتعلق بغير المسلمين لكيان ووجدان سيد قطب فنقلها بعد ذلك لآلاف بل و عشرات الآلاف من الأتباع؟؟ إن المذاهب الإسلامية السنية كلها باستثناء الفرع الحنبلي الذي بدأ بأحمد بن حنبل ومر بابن تيميه وبابن قيم الجوزية ووصل إلى محمد بن عبد الوهاب في نجدٍ منذ قرنين ونصف من الزمان ثم إلى سيد قطب وهو في الولايات المتحدة الأمريكية منذ أكثر قليلاً من خمسين سنة… إن كل المذاهب السنية باستثناء هذا الفرع وكذلك كل المذاهب غير السنية وأهمها مذاهب الشيعة الأساسية (كالإمامية)

وكذلك كل الطرق الصوفية لا تعرف تلك الروح المليئة بالمرارة والكراهية لغير المسلمين والتي نراها عند ابن تيميه والخط الموصول منه إلى أسامة بن لادن.
إن البعض يظن أن ما يحدث اليوم في السعودية هو شيءٌ جديد في طبيعته. وهذا تصور غير سليم. فكما ذكر آنفًا، خلال سنوات الدولة السعودية الأولى (في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن العشرين) وُجِدَت أمثلة تضاهي ما نراه اليوم من كراهية عمياء لغير المسلمين ولكل مظاهر الحياة العصرية وأنماط التذكير الجديدة. وخلال السنوات الأولى للدولة السعودية الثالثة (أي الحالية) حارب أولئك الذين يتسمون بتلك الروح تجاه غير المسلمين وتجاه مظاهر الحياة العصرية الرجل الذي أنشأ الدولة السعودية الثالثة وهو الملك عبد العزيز آل سعود. وفي المراجع العلمية المتخصصة عن تاريخ الدولة السعودية الثالثة أشياء ومواقف للإخوان (إخوان نجد)

يقفُ لها شعرُ الرأس. فقد كانوا يعارضون الملك عبد العزيز في أشياء عديدة مثل إدخال الراديو (الإذاعة) وركوب السيارة العصرية واستعمال الهاتف بل إنه عندما غادر الملك عبد العزيز الرياض في منتصف عشرينيات القرن الماضي على ناقةٍ وعاد لها بعد ضمه لمكة لمملكته الوليدة وكانت عودته في سيارة عصرية-انتقد الإخوان (إخوان نجد) هذه البدعة التي تمثلت في ركوب عبد العزيز لسيارةٍ أمريكية…

ومنذ سنوات غير بعيدة أفتى الشيخ عبد العزيز بن باز

بكفر من يقول إن الأرض كروية… وبين يدي الآن مئات الفتاوى (مثل فتوى عدم كروية الأرض وحرمانية قيادة المرأة للسيارة)…

وأنتقي منها فتوى مذهلة هي الفتوى رقم 21409 بتاريخ 29 ربيع الأول 1421 (هـ) والتي تحرم إهداء الزهور للمريض لأن ذلك (محض تقليد وتشبه بالكفار).. وكذلك (خشية ما يجر إليه ذلك من الاعتقاد بأن هذه الزهور من أسباب الشفاء) وبناء عليه (لا يجوز التعامل بالزهور بيعًا أو شراءً أو إهداءً)!!!.


إن واجب كل مسلم يريد لهذا الثوب الأبيض أن يكون نقيًا أن يدرك أن هذا التيار المليء بالمرارة والكراهية لغير المسلمين ولمعالم العصر المادية والمعنوية هو تيار استثنائي وإن كان قويًا وعنيفًا ومؤثرًا. إنني لشديد التطلع لأن أرى مؤرخين محترفين يدرسون ويتتبعون هذا التيار من ابن تيميه إلى أسامة بن لادن ومساهمة سيد قطب في هذا التيار مع إبرازٍ واضح لكونِ هذا التيار مخالف لكل أدبيات المذاهب السنية والشيعية الأخرى. كذلك آمل أن يفرغ باحثٌ متخصص لدراسة السنتين اللتين أمضاهما سيد قطب في الولايات المتحدة

وعاد بعدهما رجلاً مختلفًا تمامًا.
وآخر ما أتمناه أن يحدث ذلك بقلمٍ غير صحفيٍّ أو سياسيٍّ وإنما بقلمٍ وعقلٍ أكاديميٍّ لا يبحث عن الإدانة والاتهام وإنما عن ضالة المفكر الحقيقي وهي الحقيقة… إننا هنا نهدف لعمل فكري لا لعمل إجرامي كالذي تم في حق سيد قطب في سنة 1966.








ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق