السبت، يناير 22، 2011

صفحات من كتاب الخطط السكندرية للدكتور خالد هيبه - بولكلى


  د خالد هيبه

- في حي الرمل تقع منطقة "بولكلي" ، حيث تمثل جزءاً هاماً من التاريخ المصري الحديث منذ أن احتضنت "بولكلي" المقر الصيفي لإجتماعات مجلس الوزراء المصري لمدة تقارب الأربعين عاماً قبل قيام ثورة يوليو عام 1952م، وهي تمثل فترة من أخصب فترات تاريخ مصر السياسي وأكثرها حيوية وديناميكية شهدت بدايات الحكم الدستوري البرلملني للبلاد ليتوافد على بولكلي العظماء من رجالات مصر وساستها وزعمائها نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر الزعماء ورؤساء النظارات والوزارات "محمد باشا سعيد" و"رشدي باشا" والزعيم "سعد باشا زغلول" و"مصطفى باشا النحاس" و"أحمد باشا ماهر" و"النقراشي باشا" وغيرهم الكثير من العظماء والنجباء ممن أنجبتهم مصر في كافة المجالات .
- تقع منطقة "بولكلي" ما بين منطقتي "رشدي" و"مصطفى باشا" من جهة الغرب، ومنطقتي "فلمنج" و"جليم" من جهة الشرق، ويمثل ساحلها على كورنيش الإسكندرية شاطيء من أجمل الشواطيء السكندرية حيث جونه "ستانلي" الساحرة والتي زاد رونقها بريقاً مع تشييد كوبري "ستانلي" بنهاية القرن العشرين

 ستانلى فى النصف الاول من القرن العشرين

، وتمتد منطقة بولكلي عبر مثلث يشمل ثلاث محطات لخط ترام الرمل رأسه في الغرب حيث المحطة الكبرى التي تعرف بمحطة إيزيس حالياً وكانت هي المحطة النهائية لخط ترام الرمل عند إنشاء الخط حينما كانت تعرف باسم  "محطة بولكلي" حيث يتفرع عندها الخط إلى فرعين، خط "باكوس" في الجنوب الشرقي ، وخط "جليم" في الشمال الشرقي ، وتقع قاعدة المثلث ما بين محطة ترام "الوزارة" في اتجاه خط باكوس (وسميت محطة بالوزارة نسبة إلى مبنى المقر الصيفي لمجلس الوزراء والذي يقع في مقابل محطة ترام الوزارة مباشرة) ، وكذا محطة ترام "الهدايا" في اتجاه منطقة جليم ( وذلك نسبة إلى مسجد الهدايا الذي يقع بالقرب من المحطة ) ، ولكن السكندريين يطلقون على "بولكلي" لفظهم المحبب المخفف الدارج "بوكله".

محطة ترام بولكلى عام 1895

- تمثل "بولكلي" محطة هامة من محطات التاريخ السكندري الحديث ، فيذكر المؤرخون أن أول خط حديدي لترام الرمل امتد من محطة الرمل "جهة مسلة كليوباترا سابقاً" إلى منطقة "بولكلي" حيث منحت الحكومة المصرية السيد (إدوارد سان جون فيرمان) في 16 أغسطس عام 1860م امتيازاً لإنشاء هذا الخط، وذلك في إطار تعميرها لمنطقة الرمل ، لتتأسس شركة مساهمة عام 1862م لإنشاء ذلك الخط ليفتتح في 8 يناير عام 1863م لنقل الجماهير بقطار واحد من الإسكندرية "محطة الرمل" إلى محطة "بولكلي" عن طريق "جامع سيدي جابر "، وبقطار مكون من عربة واحدة درجة أولى وعربتان درجة ثانية وعربة درجة ثالثة حيث كان القطار يجر بأربعة خيول تم استبدالها في 22 أغسطس عام 1863م بقاطرة بخارية لتقوم بجر القطار بدلاً من الخيول ولتقطع المسافة ما بين "محطة الرمل" و"محطة بولكلي" في عشرين دقيقة، ولتصبح "بولكلي" المحطة النهائية الرئيسية لخط ترام الرمل وحتى يتم مده بعد ذلك إلى محطة "السراي" حيث تقع سراي الرمل (مكان فندق المحروسة حالياً) والتي انشأها الخديوي البناء "إسماعيل" بعد ذلك لتظل محطة "بولكلي" وللآن (محطة إيزيس حالياً) تحمل ذات السمات لمحطة كبرى رئيسية حيث يتفرع خط ترام الرمل عندها إلى فرعين رئيسيين ، ولاتزال الورش الخاصة بالترام تحتل ذات المنطقة التي شهدت منذ حوالي قرن ونصف بدايات الربط الحديدي الداخلي للترام بمدينة الإسكندرية .

محطة ترام بولكلى عام 1920

- وكما كان لتلك المنطقة الريادة في التوجيه لتعمير منطقة الرمل ومناطق شرق المدينة ، شهدت أيضاً قيام الحكومة المصرية برئاسة "محمد سعيد باشا" رئيس النظار (رئيس الوزراء) بشراء مقراً للوزارة بذات المنطقة "بولكلي" وذلك في 13 يوليو عام 1913م ليصبح مقراً لاجتماعات مجلس النظار طوال أشهر الصيف، حيث كانت العادة قد جرت منذ عهد "محمد علي باشا" أن تنتقل كافة مصالح وهيئات الدولة لتقضي الصيف في الإسكندرية لتصبح مدينة الإسكندرية العاصمة الصيفية لمصر، وفي ذلك يذكر "علي باشا مبارك" في خططه "وللآن الحكومة الخديوية (في زمن الخديوي توفيق) وكذا من سبقهم من العائلة العلوية ، جارية على هذا السنن الذي سنه "محمد علي باشا" من الأنتقال إلى مدينة إسكندرية في زمن الحر ، ويتبع ذلك أنتقال الدواوين فيقيمون ثلاثة أشهر في رأس التين ثم يعودون إلى القاهرة "، وهذا ما كان متبعاً في تلك الفترة ، ومع بداية عهد النظارات في مصر في عصر "الخديوي إسماعيل " كانت المشكلة في تحديد مقر للاجتماعات الصيفية لمجلس النظار وذلك منذ نظارة "نوبار باشا" الأول في أغسطس عام 1878م وحتى تم شراء هذا المقر بمنطقة "بولكلي" ليصبح مقراً للوزارات المصرية المتعاقبة في الصيف ولتشهد "بولكلي" تعاقب الوزراء وزعماء مصر السياسيين في تلك الفتة الخصبة من التاريخ المصري وحتى قيام ثورة يوليو عام 1952م حيث تم في أعقابها إلغاء مصيف الوزارة بالإسكندرية لأول مرة منذ نشأة النظارات والوزارات المصرية ، وفي ذلك يذكر "الرافعي" "قررت الوزارة (وزارة علي ماهر) بجلسة 24 يوليو إلغاء تصييف الحكومة بالإسكندرية وأنتقالها إلى القاهرة ابتداء من يوم الاثنين 28 يوليو ، وعقد أول اجتماع لمجلس الوزراء بالقاهرة (صيفاً) يوم 30 يوليو سنة 1952م، ومن يومئذ ألغى مصيف الوزارة بالإسكندرية" ، ليبقى المبنى قائماً ببولكلي وللآن حيث يتبع رئاسة مجلس الوزراء ويتبقى المسمى فقط للمكان حيث تسمى محطة الترام الواقعة أمام مبنى المقر ببولكلي باسم "محطة الوزارة" .
- ومسمى "بولكلي" مسمى غريب يختلف الكثيرون حول سبب إطلاقه على تلك المنطقة ، فيرجعه البعض إلى وجود أحد العاملين بالقنصلية الإنجليزية والتي كان يقع مبنى سكن قنصلها بالقرب من ذات المنطقة في "أبو النواتير" جنوباً ( منطقة كفر عبده حالياً) وهو الأمر الذي لم يثبت لنا في أي من المراجع التاريخية الشهيرة ، ولكنه من الثابت تاريخياً أن تلك المنطقة التي يطلق عليها الآن "بولكلي" كانت تقع في ذات المكان الذي كانت تقع فيه مدينة صغيرة تنتمي للعصر البطلمي كانت تسمى "نيكوبوليس" ومعناها النصر " على شاطيء البحر وتبعد عن الإسكندرية بـ 30 غلوة حسبما يذكر سترابون ، وبـ 20 غلوة حسبما يذكر يوسيفوس،

 كوبرى ستانلى

وقد سميت كذلك نسبة إلى الانتصار الذي أحرزه أوكتافيوس أغسطس علي مارك أنطونيو ، وكانت تقام هناك أحتفالات بهذه المناسبة ، مرة كل خمس سنوات" ، ويؤكد ذلك "محمد رمزي" في قاموسه الجغرافي للبلاد المصرية حيث يذكر في الجزء الخاص بالبلاد المندثرة (البائدة) في حديثه عن مدينة نيكوبوليس "وردت في جغرافية استرابون Nicopolis وقال إنها كانت على فرع كانوب الموصل للإسكندرية وكان بها دور كثيرة للملاهي ، ومن هذا الوصف يتبين أن نيكوبوليس كانت واقعة على ترعة المحمودية غربي كوبري حجر النواتيه ، ولكن الأستاذ برشيا لما تكلم عنها في صفحة 73 من كتاب دليل مدينة الإسكندرية ومتحفها اليوناني الروماني قال إن مدينة نيكوبوليس ومعناها مدينة النصر أنشئت في عهد الإمبراطور أوغسطس قيصر تذكاراً لانتصاره على مارك أنطوان ، ثم قال إن هذه المدينة كانت واقعة في المنطقة التي تعرف اليوم ببولكلي في المسافة الممتدة على شاطيء البحر الأبيض ما بين ثكنات مصطفى باشا وبين جليمنوبولو برمل الإسكندرية" ، وهكذا أنتهى حديث "محمد رمزي" ليؤكد لنا أن "نيكوبوليس" هي ذاتها منطقة بولكلي"، بينما يذكر "علي باشا مبارك" في خططه في معرض حديثه عن مدينة الإسكندرية حول ذات المنطقة "ومعنى كلمة نيكوبوليس مدينة النصر واستكشف بها في هذه الأزمنة معبد قريب من المحل المعروف عند الأهالي بقصر قيصر ، والغالب أنه من ضمن النيكوبوليس وكان بعد هذه الناحية ناحية أخرى تسمى بوكليس ، وكانت منازلها منها ما هو على البحر، ومنها ما هو على الخليج الحلو ، وكانت محل تنزه وتفسح ، وكان الخليج المذكور على يمين الخارج من باب كانوب ، بناء على قول استرابون"، ومن هذا يمكننا القول بأن منطقة "بولكلي" الحالية هي ذات المنطقة التي ضمت مدينة "نيكوبوليس" وكذا ناحية بوكليس" والتي يوردها أيضاً " محمد رمزي" في قاموسه الجغرافي فيذكر أنها "كانت شرقي نيكوبوليس بالرمل من ضواحي الإسكندرية"، وهكذا كانت بوكليس" هي ذات المنطقة والتي قد تكون تحول بعد ذلك نطاقها ليتحول على اللسان العربي إلى "بولكلي" أو "بوكله" كما ينطقها السكندريون وللآن ، ولعل ذلك هو الأقرب إلى الصواب لتظل دائماً "بولكلي" أو "بوكله" منذ تأسيس مدينة الإسكندرية في العصر البطلمي وحتى العصر الحديث محلاً للأحداث والتاريخ ولتسطر بذلك صفحة من صفحات التاريخ في الإسكندرية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق